للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ج- مصطلح الوعد: الوعد في اللغة معناه الإخبار عن أمر في المستقبل سواء أكان خيرًا أم شرًا، بخلاف الوعيد، فإنه لا يكون إلا بشر. وقيل: الوعد والوعيد واحد، ويستعمل الفقهاء كلمة " الوعد" بنفس مدلولها اللغوي، بمعنى أن الوعد قد يكون بمعروف، مقرض أو تمليك عين أو منفعة مجانا للموعود، وقد يكون بصلةٍ أو بر أو مؤانسةٍ كعيادة مريض وزيارة صديق وصلة رحم ومرافقة في سفر ومجاورة في سكن، وقد يكون بنكاح، كما في خطبة النساء، وقد يكون بمعصية كما إذا وعد شخصا بأن يقتل له خصمه أو غريمه أو يتلف ماله ظلمًا وعدوانًا ونحو ذلك.

أما الحكم التكليفي للوعد من حيث الوفاء به، فهو محل خلاف بين الفقهاء، وإذا أردنا تحرير محل النزاع في المسألة فلابد من البيان والتفصيل الآتي:

إذا كان الوعد بمعروف- وهو ما يسمى عند المالكية بالعدلة- أو كان من قبيل المواعدة، فقد سبق عرض آراء الفقهاء فيه على الخصوص.

أما ما عدا ذلك من ضروب الوعد وصوره وحالاته، فإنه لا خلاف بين الفقهاء:

١- في إن من وعد بشيء منهي عنه، فلا يجوز له الوفاء بوعده، بل يجب عليه إخلافه.

٢- وإن من وعد بشيء واجب شرعا، كأداء حق ثابت أو فعل أمر لازم، فإنه يجب عليه إنجاز ذلك الوعد.

٣- وإن من وعد بشيء مباح أو، مندوب إليه، فينبغي له أن يفى بوعده، حيث إن الوفاء بالوعد من مكارم الأخلاق وخصال الإيمان، وقد أثنى المولى جل وعلا على من صدق وعده، وكفى به مدحا، وبما خالفه ذما.

ولكن هل الوفاء بذلك واجب أم مستحب أم غير ذلك؟ اختلف الفقهاء في ذلك على خمسة أقوال:

أحدها: أن الوفاء بالوعد واجب، قال القاضي ابن العربي: أجل من ذهب إلى هذا المذهب عمر بن عبد العزيز. وقد حكى هذا القول عن ابن شبرمة - حكاه ابن حزم في المحلى وبرهان الدين ابن مفلح في المبدع- وإليه ذهب العلامة تقي الدين السبكي، وهو وجه في مذهب أحمد اختاره الإمام تقي الدين ابن تيمية، وقول في مذهب المالكية صححه ابن الشاط في حاشيته على الفروق، وحجتهم على هذا الرأي قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٣] . وما روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>