للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقول الثاني: إن الوفاء بالوعد واجب إلا لعذر، وهو رأي القاضي ابن العربي. قال: والصحيح عندي أن الوعد يجب الوفاء به على كل حال إلا لعذر. وقال: وإذا وعد وهو ينوي أن يفي فلا يضره إن قطع به عن الوفاء قاطع، كان من غير سبب منه، أو من جهة فقر، اقتضى ألا يفي للموعود بوعده، وعليه يدل حديث أبي عيسى- أي الترمذي - عن زيد بن أرقم: ((إذا وعد الرجل وهو ينوي أن يفي به، فلم يف فلا جناح عليه)) . وهو غريب ضعيف، وإلى هذا الرأي مال الإمام الغزالي، حيث قال في الوعد: فلابد من الوفاء إلا أن يتعذر، ثم نزل النفاق المذكور في الحديث " وإذا وعد أخلف " على من ترك الوفاء بالوعد من غير غدر.

والقول الثالث: إن الوفاء بالوعد مستحب، فلو تركه فاته الفضل، وارتكب المكروه كراهة تنزيه شديدة، ولكن لا يأثم، وهو رأي جمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة والظاهرية وغيرهم، قال ابن علان الشافعي: قد تقرر في مذهبنا أن الوفاء بالوعد مندوب لا واجب، وجاء في المبدع لبرهان الدين ابن مفلح: لا يلزم الوفاء بالوعد، نص عليه – أي الإمام أحمد - وقاله أكثر العلماء.

والقول الرابع: إن الوفاء بالوعد أفضل من عدمه إذا لم يكن هناك مانع، وهو رأي الإمام أبي بكر الجصاص.

والخامس: إن الوفاء بالوعد المجرد غير واجب، أما الوعد المعلق على شرط، فإنه يكون لازما وهو مذهب الحنفية. جاء في الأشباه والنظائر لابن نجيم: وفي القنية إن وعده أن يأتيه، فلم يأته لا يأثم، ولا يلزم الوعد إلا إذا كان معلقا، وجاء في الفتاوى البزازية: إن المواعيد باكتساء صور التعليق تكون لازمة. ونصت المادة (٨٤) من مجلة الأحكام العدلية: المواعيد بصورة التعاليق تكون لازمة، مثال ذلك: لو قال شخص لآخر ادفع ديني من مالك، فوعده الرجل بذلك، ثم امتنع عن الأداء، فإنه لا يلزم الواعد بأداء الدين، أما لو قال رجل لآخر: بع هذا الشيء لفلان، وإن لم يعطك ثمنه فأنا أعطيه لك، فلم يعطه المشتري الثمن، لزم الواعد أداء الثمن المذكور بناء على وعده.

وأساس ذلك أن الإنسان إذا أنبأ غيره بأنه سيفعل أمرا في المستقبل مرغوبا له، فإذا كان ذلك الأمر غير واجب عليه، فإنه لا يلزمه بمجرد الوعد، لأن الوعد لا يغير الأمور الاختيارية إلى الوجوب واللزوم، أما إذا كانت المواعيد مفرغة في قالب التعليق، فإنها تلزم لقوة الارتباط بين الشرط والجزاء، من حيث إن حصول مضمون الجزاء موقوف على حصول شرطه، وذلك يكسب الوعد قوة، كقوة الارتباط بين العِلِّية والمعلولية، فيكون لازما.

<<  <  ج: ص:  >  >>