للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا: من المُسَلَّمَات الفقهية عند العلماء أن البيع وأمثاله يجب أن يتم على طريقة الجزم لا على طريقة إبقائه وتعليقه، لذلك قالوا إذا استخدم لفظ المضارع في صيغة البيع إنما هو مجرد وعد لا يفيد شيئا ولا ينعقد البيع ما لم تكن قرينة صارفة إلى إرادة الحال لا المستقبل. ولقد قال المالكية إذا استخدم المضارع في البيع وجب على الموجب أن يحلف أنه ما أراد الوعد. وهذا يكشف لنا أن الوعد في البيع عند المالكية لا يفيد شيئا. فإذا كان الأمر كذلك في رفض استخدام لفظ المضارع المقيد أو المفيد للمستقبل وعدم ترتب أثر عليه وفي مجلس العقد والمبيع مملوك للبائع فكيف يقال بإلزام وعد صدر من شخص إيجابا أو قبولا وصيغته دائما لا تكون إلا مستقبلة، والوفاء لا يكون إلا في المستقبل، وقد لا يكون البيع أيضا ملك البائع. فإذا كان العقد هنا لا وجود له مع استعمال صيغة المستقبل فكيف بالوعد وهو أقل قوة وإلزاما من العقد بلا نزاع!!

ولكي يؤكد الفقهاء وجوب الجزم في المعاوضات منعوا جواز تعليقها على أمر مستقبل، والوعد مستقبل، ثم لا يخفى أن القول بإلزام الواعد في البيع أو المشترى يجرنا إلى القول بصحة البيع والنكاح وأمثالهما في ظل الإكراه وهذا لم يقل به أحد من فقهاء الشريعة لأن الإكراه من عيوب الإرادة والعقود.

وبناء على ذلك فإنه لا متمسك لمن يقول إن مذهب ابن شبرمة وموافقيه جاءت مطلقة غير مقيدة بمعاوضات أو تبرعات بل يجب أن تقيد بالتبرعات فقط فوجب المصير إلى رأي الجمهور وهو استحباب الوفاء بالوعد لأنه من محاسن الأخلاق لورود النص النبوي الشريف في هذا الخصوص.

بقي أن أقول تعقيبا على بحث الأخ الدكتور نزيه: إن التفريق الذي أورده بين العدة والوعد لا يبدو وجيها لأن الأحكام التي أوردها في الوعد والعدة كما تبين: هي متساوية والفقهاء استخدموا اللفظين في المعنى نفسه، فمنهم من عرف العدة ومنهم من عرف الوعد بنفس اللفظ. وقضية التواعد هي وعد في حقيقتها من طرفين إذا أخذناها على الانفراد، فمن هذا وعد ومن ذاك وعد. أما أن تجمع فهي تواعد على الحقيقة وإلا فإن الحكم حكم الوعد يسري عليها، فهي لا تأخذ حكما جديدا.

أما ما قيل من الأخ قبل قليل بأن تعليق العقد على الشرط أو الوعد على الشرط يراه نوعا من الإلزام فإن الحقيقة العبرة بالشرط وليس بالوعد. وشكرا لكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>