للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدكتور سامي حسن حمود:

بسم الله الرحمن الرحيم.

موضوع الوعد والكلام عن الوفاء به في ظل الالتزام الإسلامي، فالمسلمون هم أهل الوفاء والكل يتفق على إن من مكارم الأخلاق الوفاء بالوعد، ولكن عندما تأتي الحقوق والالتزامات يصبح هناك تفريق هل هناك إلزام أو لا يكون إلزام؟ والأبحاث التي قدمت إلى هذا المجمع الكريم متفقة إجمالا على وجوب الوفاء بالوعد وهناك مناطق للتفريق.

فمنطقة الأخلاق والمروءات قيل إن الوفاء بالوعد إذا لم يكن ناتجا عنه كلفة فإنه يكون من المكارم ولا إجبار فيه. أما إذا أدخل الموعود في كلفة فهناك سبب قد يكون موجبا للضرر كأن يقول له تزوج وأقرضك (١٠٠٠) دينار، فهيأ نفسه للزواج ثم قال خطر لي أو عن لي أن لا أقرضك. فهنا؛ جاء رأي المالكية بوجوب الإلزام قضاء وليس ديانة لأنه قد أضر بوعده هذا الذي قاله لجاره أو لأخيه فدخل في الكلفة ثم تركه وحيدا في الساحة.

هذا المنطق الذي يأتي من جراء منع الضرر والإضرار هو ظاهر في التبرعات ولكنه في نظري أقوى وأشد لزوما في الالتزامات رغم أن هناك من يحاول أن يحصر هذه العملية في ميدان التبرعات. فعندما نأتي للالتزامات لا يكون الأمر أمر أخلاق ومروءة فحسب ولكنه أمور تترتب عليها التزامات معينة. فلو قال رجل لآخر، لصاحب مصنع اصنع لي كذا وكذا وأنا أشتريه منك بسعر كذا ولم يتفق معه على العقد استصناعا حتى لا يقال أن هناك عقد استصناع وقال: وكما تعلن الدولة تشجيعا للمزارعين مثلا أن من ينتج القطن أو ينتج القمح ففي موسم الحصاد هناك سعر محدد تشتريه الدولة بسعر كذا، ثم يأتي المزارعون فيندفعون في الإنتاج فإذا جاء الوقت قيل عدلنا عن ذلك، هنا الدخول في الالتزامات بالوعد الذي صدر يدخل الموعودين في كلفة. فهؤلاء الذين وعدوا ودخلوا في الكلفة أمامهم أمران: إما أن يكون هناك إجبار على الوفاء بما وعدوا به أو أن يكون هناك مقابل تعويضا لهم عن الضرر الذي تعرضوا له فإذا قلنا بأن الإلزام بالوعد لا محل له بالإجبار على تنفيذ العقد الذي وعدوا به، فإن المقابل وعدل الشريعة تقتضي منا أن نقول نعم. إذا لم يكن هناك إلزام فإن الشريعة لا تسمح بأن يقع ضرر دون أن يكون المتسبب ملزما بتعويض هذا الضرر. ومن هنا يأتي التوازن العادل في الشريعة الإسلامية بأن الوفاء بالوعد واجب في مكارم الأخلاق وعندما تأتي الالتزامات فإنه إن قيل بأن الوعد لا يجبر فيه تنفيذ العقد فإنه أيضا ينص في ذات المادة أن تعويض الضرر إذا حصل وكان ضررا حقيقا حالا غير محتمل وغير متوقع فإن هذا التعويض يكون واجبا على من تسبب بوعده في حدوث هذا الضرر. وشكرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>