بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد.
فإن الموضوعات أرى أنها قد اشتبكت ولكنني أريد أن أمر مرًا سريعًا على النقاط المهمة التي طرحت أمامنا اليوم.
أولًا بالنسبة للوعد الملزم قد جرى الحديث عنه وقد ذكر كثير من الاخوة أنه يقترح إلزام الوعد لتحيل على الربا الجاري في المصارف ولكنني أريد أن ألفت أنظاركم إلى أن هذه المسألة ليست خاصة بالمصارف الإسلامية فحسب، وإنما هي مسألة مهمة بالنظر إلى التجارة العامة، ولو فرضنا –ولو قطعنا النظر عن المصرف- وفرضنا أن هنالك تاجرًا عاديًا يستورد البضاعات من الخارج، يأتيه أحد ويقول: استورد لي بضاعة كذا، أو أجهزة أو معدات من الخارج، فإني أشتريها منك، ومعلوم أن الأجهزة والمعدات واستيرادها من الخارج ربما يكلف الملايين، فلو استورد هذا التاجر هذه البضاعات أو الأجهزة أو المعدات من اجل هذا المشتري وكلفه الملايين من الروبيات مثلًا، فإذا بذلك المشتري يقول: أنا لا أقبل هذا الشراء، أنا لا أفي بوعدي بالشراء، مع أن هذه الأجهزة والمعدات كانت ملائمة لظروفه، وإنما صنعت من أجله، فلو قطعنا النظر عن المصارف فإن مسألة الوعد الملزم تعرض لنا في التجارات العامة الأخرى أيضًا فإذا نظرنا إلى هذه المسألة من هذا المنظار، فأريد أن ألفت أنظاركم إلى ما ذكره بعض الأخوة عن أن الوعد عند المالكية إنما يختص في التبرعات ولا يوجد في المعاوضات، والحمد لله عندنا ثلة جليلة من علماء المالكية وفقهائهم، ولست أدعي أني أعلم أكثر منهم بمذهب المالكية، ولكن عندي كتاب للإمام الحطاب رحمه الله "تحليل الكلام في مسائل الالتزام" وقد ذكر في هذا الكتاب عدة فروع يبدو أنها تتعلق بالمعاملات والمعاوضات، ومع ذلك فإنه أفتى في ذلك بلزوم الوعد، ومن هذا صورة واحدة وهي في بيع المزايدة، في بيع من يزيد، جاء واحد وقال لآخر كف عني –يعني كف عني في المزايدة- ولك دينار جاز ذلك، ولزمه اشتري أو لم يشتر، ثم يقول ولو قال كف عني ولك نصفها على سبيل الشركة لجاز أيضًا، يعني لو كف عن المزايدة، فإن وعده بأن ما يشتريه من تلك المزايدة يجلس فيها شركة، شركة الملك معه، فهذه أحداث شركة الملك عقد معاوضة وعقد مالي، ووعده بذلك العقد المالي، ويقول ابن رشد رحمه الله لجاز أيضًا، فلو لم يكن الوعد ملزمًا في المعاوضات لا أرى مبررًا لهذه الجزئية التي ذكرها الحطاب عن ابن رشد في هذا الكتاب.