للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:

بسم الله الرحمن الرحيم

استدل كثير من الإخوة في أحاديثهم بالآيات القرآنية التي توجب الوفاء بالعقود والوفاء بالعهود وبالأحاديث النبوية التي تؤيد هذا أيضًا، والواقع أن هذا الاستدلال في قضيتنا هذه غير وارد، أعني في قضية بيع المرابحة للآمر بالشراء على الإلزام، وهذه هي النقطة التي سأركز عليها لأن هذه الآيات كلها والأحاديث ليست على عمومها وإنما هي من العام الذي أريد به الخاص، {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: (٢٧٥) ] الله لم يحل كل بيع وإنما هناك أحاديث وآيات منعت بعض البيوع، فكلمة البيع هنا عام أريد به الخاص وكذلك ما جاء في كلمة التجارة {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] فهذه الآية لا تصلح دليلًا على ما نحن بصدده وإنما هي دليل على أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم –الأصل في العقود بدلًا من الأشياء- الأصل في العقود والشروط الإباحة وهي قضية خلافية كما تعلمون لكن هذا هو الذي أرجحه وهو ما استقر عليه آراء المتأخرين من الفقهاء، الأصل في العقود والشروط الصحة والإباحة ما لم يقم دليل على المنع.

فهذه الآيات تصلح دليلًا على هذا، ونقبلها من القائلين بجواز بيع المرابحة للآمر بالشراء على الإلزام، نقبلها منهم لكن نرد عليهم بأن دليل المنع قائم، ودليل المنع هذا أجمع عليه الفقهاء المتقدمون، لم أجد فقيهًا واحدًا من المتقدمين أجاز هذه الصورة من البيع على الإلزام، فإن أبوا هذا وقالوا: لا نقبل أقوال المتقدمين ونحن لنا رأينا ونريد النص من القرآن والسنة، كما ثبتت هذه القاعدة من القرآن والسنة، نقول لهم: المتقدمون لم يقولوا هذا الكلام اعتباطًا وإنما بنوه على دليل قوي وسأعتمد على دليل واحد وهو حديث حكيم بن حزام ((لا تبع ما ليس عندك)) وقالوا: وهذا هو ما يقتضيه المنطق إن هذه المبايعة وقد سمعتم نصوصها الكثيرة في مذاهب المالكية وفي غيره، لا أريد أن أعيدها، قالوا: إن هذه المبايعة أو المواعدة إذ كانت على الإلزام من الطرفين فلا فرق بينها وبين بيع الإنسان ما ليس عنده، وسمعتم الأدلة التي اعتمد عليها الشافعي، كلهم متفقون على هذه العلة وهي أنها إذا جازت تؤول إلى أن هذا الشخص قد باع ما ليس عنده، فإذا قال شخص لآخر: أعدك بأن أبيع لك سلعة كذا وهي ليست عنده – الفرض أن السلعة غير موجودة عنده- أعدك بأن أبيع لك سلعة كذا بألف جنيه، وقال له الآخر: أعدك بأن أشتريها، وقلنا إن هذا ملزم وتحايلنا بأن هذين المتواعدين سينشئان عقدًا عندما يمتلك السلعة، ماذا فعلنا؟ هل كونهما سينشئان هذا العقد يغير من الواقع؟ وبخاصة عند من يقول إنه إذا نكل أحدهما يلزم ويأمر القضاء بالتنفيذ فإن لم ينفذ فعليه التعويض، أقول لهم: ما الفرق بين هذا ولم هذه اللفة؟ لم لا يقول له من أول الأمر بعتك سلعة كذا بمبلغ كذا، ويقول له الآخر: قبلت؟ ما الفرق في النتيجة بين هاتين الصورتين؟ هما واحد من غير شك، والذين يقولون –الأخ الشيخ أحمد قال- إن هذا في الغرب والناس يريدون ابتياعه، أقول أن هذه الصورة جائزة في القوانين جميعًا، القوانين العربية الموجودة الآن جائزة فيها ويسمونه بالوعد بالبيع ويشترطون فيه ما يشترط في البيع تمامًا ولا يطالبون بتجديد عقد، وهذا هو المنطق، لم؟ إذا كانا هما ملزمين بأن ينشئا هذا العقد على الصفة التي تواعدا عليها، فلم ينشئان العقد مرة أخرى؟ هذا عبث.

<<  <  ج: ص:  >  >>