للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هنا نسأل، هل نقودنا الورقية مثل النقود الذهبية والفضية أم لا؟ في الإجابة عن ذلك نقول:

أولًا: إن الدنانير والدراهم نقدان ذاتيان ضامنان للقيمة في حد ذاتها، في حين أن العملة الورقية نقد حسب العرف والاصطلاح.

ثانيًا: أنهما لا ينسى مع نقدييتهما وزنهما بالإجماع باعتبار أن الزيادة عند الجميع – لا أدعي الإجماع – كما قال الإمام أحمد، أنهما لا ينسى مع نقديتهما وزنهما عند من اطلعت على آرائهم باعتبار أن الزيادة في وزنهما زيادة في قيمتهما. وقد أشار إلى ذلك الحديث الصحيح ((وزنًا بوزن)) ولا يلاحظ ذلك – أي الوزنية – في نقودنا الورقية.

ثالثًا: إنهما – أي الدنانير والدراهم – لو ألغيت نقديتهما بقيت مثليتهما وقيمتهما في حين أن العملات الورقية لو ألغيت لما بقيت فيها أية فائدة.

رابعًا: لا خلاف بين علمائنا المعاصرين في أن نقودنا الورقية تقوم بالذهب أو الفضة أو غيرهما لمعرفة نصاب الزكاة فيها، في حين أن نصاب الدراهم والدنانير ثابت ولا نحتاج فيه إلى تقدير بآخر بل يقوم بهما غيرهما.

خامسًا: إن المعاصرين جميعًا متفقون على أن نقد كل بلد جنس بذاته، ولذلك يجري فيه التفاضل فيما لو بيع بنقد بلد آخر. الريال السعودي بالريال القطري يجوز فيه الزيادة باتفاق المعاصرين، وما ذلك إلا لرعاية القيمة. في حين أن الدراهم والدنانير لا نلاحظ فيهما هذه القيمة أو هذه الإقليمية.

سادسًا: إن النقود الورقية كانت مغطاة في أساسها بالذهب ولا يزال الاقتصاد الخاص بالدولة التي تصدر هذه العملة له علاقة بقوتها، وضعفها ولا يؤخذ هذا في الدراهم والدنانير.

سابعًا: حينما ألغى الفقهاء رعاية القيمة في المثليات مثل الذهب والفضة والحنطة والشعير نظروا إلى أنها تحقق الغرض المقصود سواء رخص سعرها أم غلا. يعني الحنطة حنطة وغذاء سواء كانت قيمتها ألف ريال أو ريال واحد. أما النقود الورقية قيمتها وأساسها في كونها تساوي مبلغًا معينًا وما يشترى بها من السلع.

إذن ما تفضل به أستاذنا الكريم من قياس النقود الورقية على الحنطة – في نظري القاصر – أنه قياس مع الفارق.

ثامنًا: أن الاقتصاديين يكادون يتفقون على أن مشكلة التضخم التي نعاني منها ولدت في أحضان النقود الورقية ولم يحصل مثلها عند سيادة النقود المعدنية.

ولذلك فالراجع هو القول بنقدية هذه الأوراق المالية – أقول إنها نقد – وبالتالي وجوب الزكاة فيها باعتبار قيمتها، وكونها صالحة للثمنية والحقوق والالتزامات عدم جواز الربا فيها لا نقدًا ولا نسيئة، ولكن مع ملاحظة أنها لا تؤدي جميع الوظائف المطلوبة، وبالتالي ملاحظة قيمتها عندما تحدث فجوة كبيرة بين قيمة النقد في وقت القرض وقيمته عند التسليم. وهذا في نظري هو الرأي الذي يحقق العدل الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رواه مسلم في صحيحه، قال: ((قيمة عدل لا وكس ولا شطط)) . وهذا هو الواقع الذي تعيشه نقودنا الورقية حيث يعترف كثير من الاقتصاديين بأنها لا تؤدي اليوم جميع وظائفها.

<<  <  ج: ص:  >  >>