للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثاني

غصب المنفعة

مذهب الجمهور:

ذهب جمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة – تبعًا لرأيهم في اعتبار المنفعة مالًا – إلى أن غصب المنافع يوجب الضمان على الغاصب سواء استعمل المغصوب، أو منع استعماله، أو أتلفه أو أتلف المنفعة على تفصيل يظهر من استعراض مذاهبهم:

* ذهب المالكية: إلى أن الغاصب يضمن الشيء المغصوب بمجرد الاستيلاء.

قال عبد السميع الآبي: (وضمن الغاصب الشيء بمجرد الاستيلاء عليه وحوزه، ولو تلف بسماوي، أو جناية غيره) (١) .

وبناءً على هذا الضمان فإن منافع المغصوب المستعمل تكون ملكًا للمالك.

قال في الجواهر: " (وللمالك غلة مغصوب مستعمل من رقيق ودابة ودار وغيرها، سواء استعمله الغاصب أو أكراه على المشهور) (٢) .

فإن كان المستفيد من المنفعة غير الغاصب، فإن المالك مخير بأخذ قيمة المنفعة من أيهما شاء، قال في المواهب: (من غصب منفعة دار أو استأجر منه رجل تلك المنفعة، فلربها أخذ المنفعة من الغاصب أو من المستأجر، عالمًا كان أو جاهلًا، كما لو غصب طعامًا وباعه واستهلكه المشتري، فلرب الطعام أن يضمن من شاء منهما) .

لكن عند المالكية لو قصد الغاصب باستيلائه على الشيء استيفاء المنفعة لا تمَلُّكَ الذات، فتلف الذات المستوفى منها منفعتها فلا يضمن المعتدي وعلى ذلك "فمن سكن دارًا غاصبًا للسكن فانهدمت من غير فعله فلا يضمن إلا قيمة السكن، إلا أن تنهدم من فعله" (٣) .

* ومذهب الشافعية: ضمان منفعة الدار والعبد ونحوههما من كل منفعة يستأجر عليها بالتفويت بالاستعمال، والتفويت عندهم يكون بضياع المنفعة من غير انتفاع، كإغلاق الدار في يد عادية. لمن كان من أهل الضمان.

قالوا: إن غصب منفعة تستباح بالإجارة، فأقام في يده مدة لمثلها أجر ضمن الأجرة.

أما غصب منفعة البضع فإنها لا تضمن عندهم إلا بتفويت الوطء لا فواته.

فيضمن حينئذ بمهر المثل – على تفصيل في ذلك – وعلة عدم الضمان بالفوات هو انتفاء ثبوت اليد على البضع. ومثل هذا في الأصح من مذهبهم: منفعة بدن الحر فإنها لا تضمن إلا بالتفويت دون الفوات، تبعًا لقاعدة: أن الحر لا يدخل تحت اليد (٤) .


(١) جواهر الإكليل، شرح مختصر خليل، للإمام صالح عبد السميع الآبي: ٢/١٤٨، الطبعة الثانية مطبعة مصطفى الحلبي ١٣٦٦ هـ - ١٩٤٧م بمصر.
(٢) جواهر الإكليل، شرح مختصر خليل، للإمام صالح عبد السميع الآبي: ٢/١٤٨، الطبعة الثانية مطبعة مصطفى الحلبي ١٣٦٦ هـ - ١٩٤٧م بمصر. ومواهب الجليل: ٥/٢٧٤. وقد ذهب ابن القاسم إلى التفريق بين ضمان منافع الدور والأرضين وبين منافع الحيوان. مع اتفاق المالكية جميعًا على عدم ضمان المنافع غير المستوفاة. انظر: مواهب الجليل: ٥/٢٨٥.
(٣) جواهر الإكليل: ٢/١٥١
(٤) نهاية المحتاج: ٥/١٦٩؛ والمجموع شرح المهذب، للإمام أبي زكريا النووي: ١٤/٥٩. بتصرف يسير – مطبعة الإمام بمصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>