للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا شك أن ضعف الرقابة الدينية على إنسان اليوم من داخل نفسه تجعل طمعه ليس له حد، وفي كثير من الحالات يجره إلى انتهاك تعاليم شريعه الله، الشيء الذي يحتم على العلماء البحث عن قيود تمكن المجتمع الإسلامي من تفادي تلاعب المتلاعبين، سواء تعلق الأمر بحرية التصرف، وما ينتج عنها من ربح يجنيه التجار لقاء مخاطرتهم بأنفسهم أحيانًا، ولقاء مجهودهم الدائم أحيانًا أخرى، وسواء تعلق بالحيلولة بين هؤلاء التجار، وبين استنزاف زبائهم بطريق الاستغلال. لقد أصبح هذا باعثًا على تنظيم حال السوق ومراقبة أرباح التاجر، غير أن تلك المراقبة ليست مبتكرة في أسسها، وأهدافها العامة، وإن كانت بسبب تنوع مستجدات الحياة تتعرف كل يوم على وضع جديد لا تنظم أحواله إلا عن طريق القياس، واستخلاص الأحكام من المبادئ العامة، على أن تبقى الرضائية وعدم الإضرار بالناس مبدآن خالدان، ومن خلال تباين هاتين الوضعيتين الرضائية، وعدم الإضرار بالناس، رأى بعض العلماء أن مبدأ حرية التملك والتصرف في الإسلام لا تسمح بالتدخل، معتمدين على حديث أنس القادم عندما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يسعر لهم.

ومنهم من بنى على تدخل عمر في بعض الحالات لتنظيم حال السوق حذرًا من كساد المواد، وفقدها بعدم استجلابها وأيضًا عدم ترك الباب مفتوحًا على مصراعيه للمستغلين فيمتصون شرايين الأمة بأرباح ظالمة وغير منظمة.

سنحاول تبيين نماذج من تلك المواقف في الفقرات القادمة، ومنها ندرك أن الشريعة الإسلامية جعلت هدفها هو رعاية المصالح المتبادلة لكل أطراف المعامل، إذ لا يجب أن يترك المستغلون يتلاعبون بأموالهم الناس لفائدة حساباتهم الخاصة، كما يجب عدم التحجير على التجار بترك أية رقابة تمنعهم من الربح وتجعلهم يتركونه، فتشتد حاجة الناس إلى السلع، ولن تجد من يمتهن توريدها إليهم.

فعلى فكرة خلق التوازن بين ربح التاجر من جهة وعدم مضرة الناس من جهة ثانية تمحورت أحكام أرباح التاجر في الفقه الإسلامي، كما سنشاهد في الفقرات القادمة بحول الله.

- السعر في المدينة، على ساكنها أفضل السلام:

غلا السعر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الناس: يا رسول الله سعر لنا فقال عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم: ((إن الله هو القابض والباسط والرازق والمسعر وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد يطالبني بمظلمة في نفس ولا مال)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>