للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي تطبق عليه هذه الأقوال هو ما يكال أو يوزن، وأما غيرهما فلا يحمل الناس فيه على سعر معين. ومنع مالك من أن يحد لأهل السوق سعر لا يتجاوزونه، وبمنعه قال عمر وسالم بن عبد الله والقاسم بن محمد وأرخص فيه سعيد بن المسيب، وربيعة بن عبد الرحمن ويحيي بن سعيد الأنصاري، وروى أشهب عن مالك أن صاحب السوق يمكن أن يسعر للجزارين بأثمان لا تنفرهم من السوق، على أن لا يكون في ذلك إجبار لهم ببيع أموالهم بثمن معين خشية الوقوع فيما تبرأ منه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث ((بل إن الله يرفع ويخفض وإني لأرجو أن ألقى الله وليست لأحد عندي مظلمة...)) .

وإذا تقرر التسعير قال ابن حبيب يجمع الإمام وجوه أهل السوق ثم يتشاور معهم ليتم القرار مستجيبًا لمصالح الكل، وفي هذا المضمار لا يسعر على الجانب وحتى إن رضي فالحبوب التي بها قوت أهل البلد، فإنه يمنع تسعيرها (١) وعندنا في المغرب اليوم تطبق الدولة هذه القاعدة فتشتري الحبوب من عند من يرغب في البيع من الفلاحين بأثمان مرتفعة تشجيعًا لهم على مواصلة حراثتها، وإذا كان المبدأ هو عدم إلزام الإنسان ببيع ماله، فإن استثناءات ترد على هذه القاعدة فتشتري الحبوب من عند من يرغب في البيع من الفلاحين بأثمان مرتفعة تشجيعًا لهم على مواصلة حراثتها، وإذا كان المبدأ هو عدم إلزام الإنسان ببيع ماله، فإن استثناءات ترد على هذا المبدأ منها إضافة إلى إلزام أصحاب الحصر بيع المواد التي انفردوا باستيرادها لأهل البلد، أن يلزم الإنسان ببيع ماله لأداء الحقوق المرتبة عليه، كالنفقة وقضاء الدين، ومثل البناء والغرس في أرض الغير فإن لرب الأرض أخذه بثمن المثل ويرغم الباني أو الغارس على أخذ ذلك الثمن، ومن ذلك الأخذ بالشفعة فإن صاحب الشقص المشفوع فيه يلزم بأخذ نفس الثمن الذي خرج من يده، ومن عليه كفَّارة يعتق رقبة أو إطعام فإنه يجبر على شرائها بثمن المثل ويجبر على ذلك الشاري ولا يسمح له بأن يمتنع من أداء ما أخذ بحجة أنه رأى فيه ربحًا.

كما منع كثير من الفقهاء على المحترفين لتعاطي عمل معين يحتاج إليه السكان باستمرار، من أن يشتركوا فيما بينهم لأنهم إذا فعلوا أغلوا عليهم الأجرة، وقال ابن القيم إنه ينبغي لوالي الحسبة أن يمنع مغسلي الموتى، والحمالين كلهم من الاشتراك لما في ذلك من إغلاء الأجرة عليهم، وكذلك اشتراك كل طائفة يحتاج الناس إلى منافعهم كالدلالين وغيرهم بخلاف الصنائع فإن اشتراك أصحابها مباح، لعلة تسهيل العمل عليهم، حتى يزودوا السوق بما يحتاج إليه الناس.


(١) أورد هذه الأقوال بإسهاب أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي الأندلسي في كتابه المنتقى شرح موطأ الإمام مالك رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>