للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك على والي الحسبة أن يمنع المشترين من الاشتراك في شيء لا يشتريه غيرهم لما في ذلك من ظلم البائع، ويمنع أولئك الذين يتواطؤون على شراء سلعة معينة مشتركين ثم يبيعونها فيما بينهم ويقتسمون الربح، لأن إقرارهم على ذلك من الظلم والعدوان الوارد النهي عنه صريحًا؛ يقول الله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} ، [الآية ٢ من سورة المائدة] .

قال ابن القيم وهذا أعظم إثمًا من تلقي الركبان، وبيع الحاضر للبادي، ومن النجش ثم عقد ابن القيم فصلًا لتسعير الأجور وأفتى بأن لولي الأمر أن يلزم أصحاب الحرف بأجل المثل لحاجة الناس إلى عملهم، وتضررها من تواطئهم على رفع الأجور وحسب نظري أنها هي علة منعهم من الاتفاق على ذلك.

وكذلك لمن بيده الأمر أن يتدخل لدى أصحاب المصانع ليلزمهم ببيع السلاح للمجاهدين بثمن المثل، فالله أوجب الجهاد بالنفس والمال، يقول ابن القيم: فكيف لا يوجب على أرباب السلاح بذله بقيمته، أي بثمن المثل وعدم استغلال الحاجة.

وعلق ابن القيم تعليقًا جيدًا محللًا فيه أسباب عدم التسعير في المدينة أيام النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "وإنما لم يقع التسعير في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة لأنهم لم يكن عندهم من يطحن ويخبز ولا من يبيع طحينًا ولا خبزًا"، فكانوا يخدمون أنفسهم، وكان من يقدم بالحبوب لا يجد من يتلقاه ويحاول الشراء من عنده ليرفع السعر على أهل البلد، ويشتري من عند البادي بأقل ثمن فيعرض مصالح الطرفين للضرر، ولهذا الحديث: "الجالب مرزوق والمحتكر ملعون"، ولم يكن كذلك في المدينة أصحاب حرف أخرى كأصحاب النسيج، حيث كانت تستورد الثياب من اليمن، والشام وغيرهما، وقد تابع الرافعي ابن القيم على أقواله في التسعير وقد تناول العلماء التسعير من وجهين:

١- إذا كان سعر غالبًا على سوق البلد فأراد إنسان أن ينزل عن ذلك السعر عند مالك يمنع، وحجة مالك الحديث الذي رواه في الموطأ ونصه: (عن يونس بن سيف، عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب مر بحاطب بن أبي بلتعة وهو يبيع زبيبًا له بالسوق فقال له عمر: "إما أن تزيد في السعر وإما أن ترفع من سوقنا") .

<<  <  ج: ص:  >  >>