للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولمالك أن الإنسان إذا خالف السعر الغالب في السوق وحط منه لم يجز ترك ذلك، وذكر قولة عمر بن عبد العزيز المستند على الحديث السابق فإنما السعر بيد الله.

٢- قال ابن رشد في البيان والتحصيل، أما الجلابون فلا خلاف أنه لا يسعر عليهم شيء مما جلبوا، وإنما حمل الشاذ منهم على أن يبيع بمثل أهل السوق أو يرتحل عنهم تطبيقًا لقول عمر السابق (١) .

وتمسك مالك بنظرية عبد الله بن عمر والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله فعندهم أن الجلابين إذا باعوا لأهل السوق بأكثر من الربح المعتاد، فإنهم يمنعون من ذلك وقيل أيضًا إذا اشتري من عندهم أصحاب الدكاكين بالجملة ثم أرادوا البيع بالتقسيط بأثمان مرتفعة، قيل أنهم كالجلابون فلا يتركون على اختيارهم إذا أغلوا على الناس، ولم يقتنعوا بأرباح معقولة، وعلى صاحب السوق أن يطلع على ما كلفتهم تلك البضائع ثم يجعل لهم ربحًا لائقًا، وينهاهم عن الزيادة عليه، ويستمر في تفقد السوق لمنعهم من الزيادة على الربح المعتاد، وينزل العقاب بمن خالف، وهذا القول الأخير منسوب أيضًا من طريق أشهب، وإليه ذهب ابن حبيب، وقال به ابن المسيب، ويحيى بن سعيد والليث وربيعة (٢) ولا يجوز عند أحد من العلماء أن يقال للتجار لا تبيعوا إلا بكذا بما هو أقل من الثمن، وإذا ضرب لهم الربح، فلا يجوز لهم أن يصعدوا الثمن عنه استنزافًا لأموال الناس بغير حق، قال ابن رشد هذا عند مالك، أما عند الشافعي فيستند إلى قصة عمر مع حاطب بن بلتعة حيث لقيه يحمل عدلين من الزبيب ثم قال بكم تبيع؟ قال حاطب مدين لكل درهم، فقال عمر قد قدمت عير من الطائف وهم يغترون بسعرك فإما أن تبيع بسعر أرفع، وإما أن تدخل السوق ثم تبيع كيف شئت، إلا أن عمر قدم على حاطب بعد قليل وقال له: إنما قلت لك آنفًا ليس عزمة، ولكن نصيحة فبع كيف شئت وأين شئت فإنما أردت الخير لأهل البلد.

قال الشافعي: "وهذا الحديث ليس بخلاف لما رواه مالك ولكنه روي بعض الحديث أو رواه عنه من رواه فأتي بأول الحديث، وترك آخره، وبآخره أخذنا، قال الشافعي: لأن الناس مسلطون على أموالهم ليس لأحد أن يأخذها أو شيئًا منها بغير طيب خاطر، إلا في الحالات التي تلزمهم وهذا ليس منها" (٣) .


(١) البيان والتحصيل لابن رشد: ٩ /٣١٣، وما بعدها من باب التسعير فقد أورد مختلف أقوال مالك وأصحابه من التسعير.
(٢) نفسه
(٣) الأم، للشافعي: ج٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>