للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الباجي بأن السعر الذي يلزم البائع باللحاق به هو السعر الذي عليه جمهور الناس، فإذا انفرد منهم الواحد أو العدد اليسير بحط السعر لم يؤمروا باللحاق بسعرهم، لأن الذي يجب أن تراعى أحواله هو الجمهور (١) .

وقال القصار من المالكية بأن البغداديين فهموا من قول مالك عدم السماح بمخالفة أسعار الجمهور سواء بالنقص أو بالزيادة.

وعند الحنفية قال محمد بن الحسن: يمكن للجالب أن يبيع بسعر أرخص من سعر السوق. ولهم خلافات أخرى في مسألة أن يحد لأهل السوق حدًّا لا يتجاوزونه مع قيامهم بالواجب، فهذا منع منه الجمهور حتى مالك نفسه، ولأشهب أن صاحب السوق يباح له أن يسعر للجزارين أنواع اللحوم وإن خالفوا تسعيره أخرجوا من السوق، على ألا يكون ذلك شأنه أن يحملهم على مغادرة السوق، وعلة هذا هو عدم السماح للتجار برفع الأسعار على الناس رفعًا غير مناسب لأرباح عادلة، وبأثمان مناسبة. قال أبو الوليد الباجي ووجه هذا أن به يتوصل إلى معرفة مصالح البائعين والمشترين ويجعل للباعة في ذلك من الربح ما يقوم بهم ولا يكون فيه إجحاف بالناس، وإذا سعر عليهم من غير رضا بما لا ربح لهم فيه أدى ذلك إلى فساد الأسعار وإخفاء الأقوات وإتلاف أموال الناس (٢) .

قال ابن تيمية: "وأما إذا امتنع التجار من بيع ما عندهم مما يحتاج الناس إليه فإنهم يؤمرون بالواجب ويعاقبون على الامتناع، وكذلك من وجب عليه أن يبيع بثمن المثل فامتنع" (٣) .

وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم: منع من الزيادة على ثمن المثل، فأصبح هذا قاعدة على أن من وجبت عليه المعاوضة ألزم بإعطاء ثمن المثل، فتدخل الدولة هنا لمنع العارض من استغلال الحاجة والحصول على ربح فاحش هو الموافق لروح الشريعة، وغايتها، وتذهب النصوص الإسلامية إلى أبعد من ذلك فنجعل بيع ما بيد التاجر واجبًا، وأن لا يعطي له غير ثمن مثل، من ذلك الأدوات التي يحتاج إليها الحاج فيجب أن تفوت له بثمن المثل، وكذلك بيع السلاح للمجاهدين ناهيك عن بيع أقوات الناس فإن تفاحش الثمن فيها من الضرر الذي يجب إزالته.


(١) المنتقى:٥ /١٨.
(٢) في فتح العزيز:١٣ /٣٧، يروى عن الباجي.
(٣) ٩ /٢٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>