للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعزى الرافعي لابن القيم الجوزية موقفًا رائعًا يتناسب وما ينبغي أن تقوم به المصالح الإسلامية اليوم لفائدة المسلمين، ذلك أنه أوجب على مالك الدار التي اضطر ناس إلى السكنى فيها، وهم لا يجدون سواها، أو النزول في خان مملوك، أو استعارة ثياب يستدفئون بها، أو رحى للطحن أو دلو لنزع الماء، أو قدر، أو فأس، أو غير ذلك، أوجب على صاحبه أن يبذله بلا نزاع، والخلاف الحاصل هل يحل له أن يأخذ ثمنه أم لا؟ إلا أنهم أجمعوا أيضًا على أنه إذا أخذ ذلك الثمن فلا يمكن أن يعطى أكثر من ثمن المثل، وأفتى كثيرون بوجوب بذل ذلك مجانًا استنادًا إلى قول الله عز وجل: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} ، [الآيات ٤-٧ من سورة الماعون] .

قال ابن عباس وابن مسعود وغيرهما من الصحابة هو إعارة القدر والفأس والدلو وغيرها من الأدوات الضرورية.

إلى أن قال ابن القيم: (وحاجة الناس إلى الطعام واللباس وغير ذلك من مصلحة عامة ليس الحق فيها لواحد بعينه، فتقدير الثمن فيها بثمن المثل على من وجب عليه البيع ولأن كل الناس يحتاجون إليها، فلو مكن من هي بيده من الاختيار في الثمن لرفع ثمنها إلى درجة المضرة الفادحة بهم) .

وأبعد العلماء عن التدخل في بيع المعاوضة هو الشافعي، ومع ذلك فإنه يوجب على من اضطر الإنسان إلى طعامه أن يبذله له بثمن المثل فإذا رفع للقاضي أمر المحتكر بيع ما زاد على قوته وقوت أهله بثمن المثل، فإن أبى حبسه (١) ، فإن أصر تجار المواد الغذائية على مواصلة البيع بما فوق الثمن المعتاد جاز للقاضي أن يستشير أهل البلد ثم يسعر مراعيًا المصالح العامة في تصرفاته.

وعن خلافهم حول بيع ما بيد المحتكر: فإن أبا حنيفة يلحقه بالمحجور عليهم بسبب الدين ثم يبيع عليه البضائع التي دعت الحاجة إليها، وقال أصحاب أبو حنيفة: لا ينبغي للسلطان أن يسعر إلا إذا تعلق به – أي السعر – حق العامة.

ولمالك وأحمد أن كل مسترسل بمنزلة الجالب الجاهل لحال السوق إذ يجب على الحاضر أن لا يبيع من هؤلاء.


(١) نفس المرجع: ص٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>