للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلابة:

وقد ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخلابة)) وهي الخديعة ككتم العيوب، أو قوله إنها تساوي أكثر من قيمتها، وأعطي فيها أكثر مما أعطي، وقد روى حكيم بن حزام، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما)) ، ولذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجش لأنه من باب الخديعة في البيع وإظهار الناجش للمبتاع أن البضاعة تساوي أكثر مما اشتراها به.

هذا وقد حذرت الشريعة أثناء وضع الإطار العام لترويج التجارة للتاجر من محاولة ربح عن طريق نوع آخر من الغش، وهو عدم وفاء المكيال والميزان، فعن مالك، عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول إذا جئت أرضًا يوفون المكيال والميزان فأطل المقام عندهم، وإذا جئت أرضًا ينقصون المكيال الميزان فأقلل المقام عندهم بها.

وقد نهى عن بيع المجازفة مما يعد عدًّا، وأجاز أبو الوليد بيع الجزاف فيما يكال، والذي يحتاط منه مالك حسبما تشير إليه أمهات كتب المذهب هو عدم قيام توازن بين ربح التاجر وبين ضرورة تزويد السوق بما يحتاج إليه المسلمون، والكل ينبغي أن تراعى فيه أحكام الله في سلامة المبيع من العيوب، وعدم استعمال وسائل احتيالية.

ويمنع جميع فقهاء المذاهب الإسلامية استغلال الجهل، أو عدم معرفة حال السوق، أو الحاجة الماسة، أو الكتمان، أو استعمال وسائل احتيالية تدفع الشاري إلى إنهاء صفقة ما كان ليقدم عليها لو علم بحقيقة الأمور.

ومع ذلك فإنهما متفقون على وجوب احترام إرادة المتبايعين، لأن احترامهما هو الكفيل بأن يمحص كل واحد من أفراد العلاقة، ماله وما عليه بطريقة تفرض توازنًا يكفل للتاجر ربحًا يشجعه على تزويد السوق بما يحتاج إليه، فلا تفرض رقابة عمياء تبتز أموال الناس، وتحول بينهم وبين الغفلة التي ورد النص على أن الله يرزق بعضهم من بعض من خلالها، لكن لا يكون ذلك بطمع جشع يستنزف طاقة الشاري، ويدر ربحًا على التاجر، يمكن أن يقال عنه بأنه ربح استغلالي، ولا بد من سلامة الربح – حتى يسلم به الفقه الإسلامي للتاجر – من تلقي الركبان، والغش والتدليس، وبيع البادي للحاضر، والأنواع المنهي عنها في بيع المرابحة، وقد تقدمت إشارات إليها، كما سبقت عدة إشارات إلى هذه العيوب ويحرم أن يبيع الإنسان على بيع أخيه ومثاله أن يجيء شخص إلى آخر في مدة الخيار فيقول له افسخ العقد وأنا أبيعك أجود منه بهذا الثمن، أو مثله بأقل من هذا الثمن، فإن قبل وفسخ البيع الأول وباع له صح البيع الأخير، وأتم البائع والمشترى الأخير.

<<  <  ج: ص:  >  >>