للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلقي الركبان:

ولجهل أهل البادية بالسوق، ولئلا يستغل جهلهم المرابون، ثم يشترون من عندهم فيرفعون السعر على السوق، أو يحسبونهم على البيع بالتقسيط بسعر مرتفع فقد نهى الحديث عن ذلك، وهذا مجمل قول الفقهاء في الموضوع، فأصل المسألة هو حديث ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يبيع حاضر لباد، دعوا الناس في غفلاتهم يرزق الله بعضهم من بعض)) ، رواه الإمام أحمد في مسنده، ورواه الترمذي بلفظ لا يبيع حاضر لباد.

وقد رواه أحمد بسند آخر، عن أبي زيد، عن أبيه بلفظ آخر، هو: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض، فإذا استنصح الرجل فلينصح له.

لم ير الشافعي في الأم أن الحديثين يقتضيان المنع، وقالت الحنفية بأن المنع هنا يختص بزمن الغلاء، وقال ابن حجر في فتح الباري أن المنع انيط بالبادي، لظنة جهله بحال السوق، وإمكانية غبنه.

وقال مالك: لا يلحق أهل القرى المترددون على السوق بالباد، لأنهم يعرفون أحوال السوق.

والجمهور على منع المسألة إذا كان المبيع مما تدعو الحاجة إليه. ولم يعرضه البدوي على الحضري، وهذه التخصيصات هنا كلها استنباطية.

ووردت أقوال عن عطاء ومجاهد وأبي حنيفة، أنه يجوز بيع الحاضر للبادي مطلقًا، وتمسكوا بحديث النصيحة، وقال بعضهم أن حديث بيع الباد للحاضر منسوخ.

والشوكاني يعترض على النسخ ويتمسك هنا بحمل العام على الخاص ويدخل المسألة في بيع المسلم للمسلم بدون غش ولا تدليس، ولا غبن ولا ربا، ويؤيد عدم النسخ موقف الشافعي من المسألة لأنه صحيح البيع، ولم ينفِ الإثم، فأي حاضر باع لباد فهو عاص، إذا علم بالحديث، والبيع لازم غير مفسوخ.

ويحرم تلقي الركبان ويخبرهم بكساد ما معهم من المتاع لغبنهم فيه، لأن عمر نهى عنه، ولأنه تدليس، وإن فعل ودخلوا البلد وتبين لهم الغبن كان لهم الخيار لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تلقوا الجلب فمن تلقاها واشترى منهم فصاحبه بالخيار إذا أتى السوق)) ، وهذا الحديث رواه الشيخان عن عبد الله بن عمر، وهو نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان، وبهذا اللفظ رواه الجماعة إلا البخاري.

وأورد الشافعي في الأم، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تلقوا السلع، فمن تلقى فصاحب السلعة بالخيار بعد أن يقدم السوق)) (١) .


(١) الأم:٣ /٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>