للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يكون ممنوعًا عنده إلا إذا تم الشراء زمن قلة السلع، وشدة الحاجة إليها، أما إن اشتراها زمن الرخاء وادخرها حتى يرتفع السوق، ويكثر الطلب وباعها فلا شيء عليه، ويتعلق المنع بمن يشتري كما قلنا وقت الغلاء أكثر من قوته فيدخره لطلب الربح الفاحش، فإما أن يبيعه لأهل البلد، أو ينقله إلى مكان آخر ليبيعه أيضًا بربح مرتفع كما سبقت إشارة إلى ذلك.

٢- أما عن الوقت الذي يمنع فيه الادخار فذلك المنع تراعى فيه حالتان:

(أ) حالة الضرورة والضيق ففي هذا الظرف يجب أن يمنع الاحتكار وقال الباجي: إنه لا خلاف في ذلك، ولقد وجدنا جل كتب المذاهب متفقة على هذا الحكم.

(ب) الثانية ورد فيها خلاف داخل المذهب المالكي، فعند ابن القاسم عن مالك أنه لا يمنع في ساعة الرخاء، وروى ابن حبيب عن مطرف، وابن الماجشون عن مالك أن احتكار الطعام يمنع في كل وقت، أما غير الطعام فلا يمنع احتكاره إلا فيوقت الضرورة إليه ومن طرف الأغلبية.

٣- والذي يمنع احتكاره فعن ابن القاسم عن مالك: أن الطعام وغيره من الكتان والقطن، وجميع ما يحتاج إليه ذلك سواء فيمنع من احتكاره، ما أضر بالناس، ووجه ذلك أن هذا مما تدعو الحاجة إليه لمصالح الناس، فوجب أن يمنع من إدخال المضرة عليهم باحتكاره كالطعام.

٤- أما الذي يمنع من الاحتكار فهم الناس الذين صارت إليهم المواد التي يريدون احتكارها بالشراء، فأما من اكتسبها كنتاج كسب، أو ثمار زراعة فليس بمحتكر إذا ادخرها.

إلا أن مالكًا أفتى بأنه إذا كانت الحاجة وفي البلد طعام مخزون أمر خازنه بإخراجه، فإن امتنع أخرج عليه، ثم أمر ببيعه بثمنه، فإن لم يعلم ثمنه فبسعره يوم احتكاره (١) .

واتفقت أقوال المجموع على شرح المهذب للنووي، مع ما قاله الباجي، وخصوصًا في الحكم على الشراء وقت الرخاء وادخاره إلى زمن الغلاء، وبيعه بثمن المثل يوم تفويته، قال النووي: "ومن أصحابنا من قال بأن الاحتكار يكره ولا يحرم"، ثم رد بأن تلك الأقوال لا يلتفت إليها لمخالفتها للفظ أحاديث متعددة، دلت كلها على أن الاحتكار حرام.

وقد استدل النووي على جواز شراء السلع أيام الرخاء، وادخارها إلى وقت الشدة بالآثار التالية:


(١) الباجي في المنتقى: ٥ /١٥ و١٦و١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>