للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"روى أبو الزناد قال: قلت: لسعيد بن المسيب بلغني عنك أنك قلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحتكر بالمدينة إلا خاطئ)) (١) ، وأنت تحتكر قال: ليس هذا الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي الرجل السلعة عند غلائها فيغالي بها، فأما أن يأتي الشيء وقد اتضع فيشتريه فيضعه، فإن احتاج الناس إليه أخرجه، فذلك خير، وأما غير الأقوات فيجوز احتكاره (٢) ، واستدل على أن النهي الوارد في احتكار الطعام، والسكوت عن غيره جعل ادخاره مباحًا وفي شرحه المسمى فتح العزيز شرح الوجيز للرافعي، أورد حديثًا عن عمر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس)) (٣) .

واستدل الرافعي أيضًا للنهي عن الاحتكار: "من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقًّا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة" رواه أحمد، الطبراني في المعجم الكبير.

وقد روى أيضًا: "أيما أهل قرية أصبح فيهم أمرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله".

قال الرافعي: هذه الأحاديث كلها لا شك أنها تستنهض الهمم للاستدلال على عدم جواز الاحتكار.

وللشافعية أن المحرم هو احتكار الأقوات خاصة، ووافقتهم الزيدية، وكذلك الإمامية من فرق الشيعة حيث رأى فقهاؤهم أن المحرم من الاحتكار هو احتكار الأطعمة، وأخذ الشوكاني بحرمة الاحتكار بناء على الأحاديث المروية أعلاه.

وفرق العلماء بين الاحتكار والادخار، فالاحتكار خزن السلعة وحبسها عن طلابها حتى يتحكم المختزن في حال السوق فيبيعه بأثمان عالية، وهذا حرام، قال الرافعي بالإجماع، وكل سلعة – أضاف الرافعي – يصيب الناس ضرر من احتكارها تلحق باحتكار الطعام.

أما اشتراء الإنسان لما يمكن أن يحتاج إليه وقت اليسر، وادخاره لوقت الحاجة، أو شراء كثير من السلع وقت الرخاء، وادخارها إلى وقت الشدة وإخراجها للناس وبيعها لهم بأثمان معتادة فهذا محبوب، واستدل لجواز هذا النوع الأخير بما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم: من إعطائه لكل واحدة من زوجاته رضي الله عنهن مائة وسق من خيبر للنفقة


(١) زاد هنا لفظ "المدينة".
(٢) المجموع شرح المهذب، للنووي: ١٣ /٤٤.
(٣) الحديث رواه ابن ماجه، وفي إسناده الهيثم بن رافع، وقد روي حديثًا منكرًا، وفي إسناده أيضًا أبو يحيى المكي وهو مجهول.

<<  <  ج: ص:  >  >>