للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأرى شخصيًّا أن ما ورد في الآية ٤٧ من سورة يوسف لخير دليل على جواز هذا الإجراء أي إجراء شراء السلع أيام الرخاء، وإخراجها عند الشدة وبيعها بأثمان مناسبة، فقد قال الله عز وجل: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ} .

فالآية وردت على سبيل الإخبار ولكن لم ترد بصيغة التحذير مما فعله أصحاب العزيز خصوصًا وأن الأمر صادر إليهم من نبي، ولم يرد نسخ لهذا الإجراء.

قال ابن أرسلان في شرح السنن: وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخر لأهله قوت سنة، واتفقت مواقف الطائفة الإمامية من الشيعة مع أهل السنة والجماعة على تعريف الاحتكار، وجملة الأحكام التي تنطبق على المحتكر، والأحوال التي يجوز لولي الأمر التدخل فيها لجعل حد لاحتكار المحتكر.

فهذا الطوسي شيخ الإمامية ووجههم في عصره قال ما ملخصه:

الاحتكار هو حبس الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن من البيع، ولا يكون الاحتكار في شيء سوى هذه الأجناس، وإنما يكون الاحتكار إذا كان بالناس حاجة شديدة إلى شيء منها. ولا يوجد في البلد غيره، فأما مع وجود أمثاله فلا بأس أن يحبسه صاحبه ويطلب بذلك الفضل (١) .

وقد أوضح بأنه إذا ضاق بالناس الحال كان على السلطان أن يلزم المحتكرين ببيع ما عندهم، ولكنه لا يلزمهم على البيع بثمن معين، وأيضًا قال بأن غير الأشياء التي ذكرها فلا احتكار فيها.

إن أقوال الإمامية هذه هي نفس الأقوال التي مرت معنا عند فقهاء مذاهب السنة، وحتى الخلاف الحاصل في الأنواع التي يحصل فيها الاحتكار، سبق أن رأيناه عندهم بأسلوب مقارب لهذا، إذن فتحريم الربح عن طريق الاحتكار هو المربح فلا مجال للتردد في أن الربح المحصل عليه من قبل بيع غير مشروع اعتبر غير مشروع، مثل الربح الحاصل عن طريق الغبن، أو التدليس، أو الغش أو التناجش، أو أي نوع من أنواع الخلابة.

وكذلك عن طريق الاحتكار الذي وردت فيه أحاديث عدة منها:

روى ابن عساكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من احتكر على أمتي أربعين يومًا وتصدق به لم يقبل منه ويرى ابن قدامة في المغني أن الاحتكار لا يتم إلا إذا استكمل ثلاثة شروط هي:


(١) النهاية في مجرد الفقه والفتاوي لشيخ الطائفة أبي محمد بن الحسن بن علي الطوسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>