للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١- أن يكون المحتكر حصل عليه من احتكره بواسطة الشراء، فلا يكون من جلبة ولا من غلة ممتلكاته، واتفق مع المالكية في أن ادخار غلة ملك الإنسان لا يعد احتكارًا.

٢- الثاني أن يكون قوتًا، ما عدا الزيت والعسل والبهائم، فادخارها لا يعد احتكارًا.

٣- أن يضيق على الناس بشرائه... ويستنتج من هذه الأقوال عدم جواز الاحتكار، وضرورة مراقبة أرباح التجار حتى لا يتم جنيها من هذا المورد، ومن تتحكم فيه منهم الروح الدينية فلتكن وازعًا له حتى لا يحرم أمواله بجني ربح من مورد حرام كهذا.

٦- مبررات التدخل في تنظيم أرباح التاجر:

يمكن أن نخرج من كل ما سبق بملاحظات أساسية وهي أن مراقبة أرباح التاجر لها أكثر من أصل في الشريعة الإسلامية، وذلك في كل ربح يجنيه التاجر، سواء نتج عن عقد مساومة، أو عقد مرابحة، إذ من حيث التنظيم وضمان مصلحة الطرفين ضبطت القواعد المنظمة لكل عقد على حدة، فأصبح كل طرف يجد السند الشرعي، والذي يحمي حقوقه من الضياع، والموئل الذي يرجع إليه عند الخلاف فيحميه من الظلم، ويمكنه من جني آثار معاملاته بعيدًا عن الاحتكار، أو الاستغلال أو استنزاف الغير.

فمبررات تدخل السلطة في أرباح التاجر ضيقة، بسبب حديث أنس حول سعر المدينة واستنادًا إلى الآية الكريمة: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} .

وحديث: (دعوا الناس في غفلاتهم يرزق الله بعضهم من بعض....) .

أمام هذه النصوص التي تسير في المبدأ الرباني الخالد والقائل: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} [الآية ٧١ من سورة النحل] .

وقوله: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الآية ٣٢ من سورة الزخرف] .

وجد الحاكم سلطته ضيقة جدًّا، تجاه حرية التبادل التجاري، إذ ليس لأية سلطة مهما كانت تشريعية أو تنظيمية، الحق المطلق في تقرير نزع ملكية الأفراد، أو الجماعة، أو الحد من تصرفاتهم في المعاوضات، دون رضاهم.

غير أن حكمة الشارع من منظور الوسطية التي تدعو إلى الاعتدال في كل شيء، ولم تترك الأمر فوضى، يتحكم فيه التجار في رقاب الناس، باستغلال فرصة الحاجة ليستنزفوا كل إمكانياتهم وبذا أتت تحذيرات الكتاب والسنة واضعة الإطار المنظم لكل المعاملات فلا إفراط، ولا تفريط، ومن خلال ذلك جعلت الرقابة على التاجر ذات وجهين: أحدهما يصاحب ضميره وخلجات فكره، لأنه يتعلق بالإيمان الداخلي، فينبهه أن هناك معاملات محرمة يمكن أن يجني من ورائها ربحًا، إلا أنه إن فعل وسلم من عقاب السلطات الحاكمة، فلن يسلم من عقاب الله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>