للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يحكم به العرف

ما ورد به الشرع مطلقًاً ولا ضابط له في الشرع ولا في اللغة

قال الفقهاء: كل ما ورد به الشرع مطلقًا، ولا ضابط له في الشرع ولا في اللغة. يحكم في العرف.

مثاله: الحرز في السرقة، والتفرق في البيع والقبض، ووقت الحيض وقدره.

ومرادهم: أنه يختلف حاله باختلاف الأحوال والأزمنة، ويختلف الحرز باختلاف عدل السلطان وجوره، وبحالة الأمن والخوف.

وهذه الأشياء لا تكاد تنضبط، وكل موضع في كل شيء من ذلك يرجع فيه إلى أهل ناحيته.

فما عدوه حرزًا فالمال محرز، وما لا فلا.

أما كلام الأصوليين: فإنهم يقدمون العرف للعرف الشرعي، ثم العرفي، ثم اللغوي.

الجواب: إن كلام الأصوليين، إنما هو في الحقائق والأدلة التي تستنبط منها الأحكام فيقدم فيها الشرعي على العرفي. كبيع الهازل وطلاقه، فإنه نافذ، وإن كان أهل العرف لا ينفذونه.

ويقدم العرفي فيهما على اللغوي عند التقاضي، لأن العرف طارئ على اللغة فهو كالناسخ (١)

تغير العرف

قال ابن عابدين: فإن قلت: العرف يتغير مرة بعد مرة، فلو حدث عرف آخر جديد لم يقع في الزمان السابق، فهل يسوغ للمفتي مخالفة المنصوص واتباع العرف الحادث؟ قلت نعم، فإن المتأخرين خالفوا المنصوص في مسائل لم يخالفوه إلا لحدوث عرف بعد زمن الإمام.

من له حق النظر والفتوى في هذه المسائل ونظائره: فللمفتى اتباع عرفه الحادث في الألفاظ العرفية، وكذا في الأحكام التي بناها المجتهد على ما كان في عرف زمانه وتغير عرفه إلى عرف آخر اقتداء بهم، بعد أن يكون المفتي ممن له رأي ونظر صحيح ومعرفة بقواعد الشرع والشروط المرعية حتى يميز بين العرف الذي يجوز بناء الأحكام عليه، وبين غيره.

قلت: لأن الاستدلال بالعرف ضرب من الاجتهاد والاستنباط وإنزال الدليل منزلته بحيث لا يتقدم على غيره، ولا يقضي به على النص إنما يفسر به النص وذاك إنما هو من اختصاص الفقيه (٢)


(١) الزركشي. المنثور: ٢ /٣٩١.
(٢) ابن عابدين. الرسائل: ١ /٤٥..

<<  <  ج: ص:  >  >>