للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخرج على الأصل مسائل:

منها:

- لو حلف لا يأكل بيضًا فإنه يختص ببيض الإوز والدجاجة استحسانًا.

ومنها:

- لو حلف لا يأكل طبيخًا فهو على اللحم خاصة ما لم ينوِ غيره استحسانًا، وفي القياس يحنث في اللحم وغيره.. لكن الأخذ بالقياس ههنا يفحش فحملناه على أخص الخصوص وهو اللحم لأنه هو الذي يطبخ في العادات الظاهرة (١)

وقلنا: إن هذه العمومات خصصت بالعرف العادي لا بالعرف الاستعمالي: لأن لفظ الرأس كما يستعمل في رأس الغنم يستعمل في رأس العصفور والحمام وسائر الحيوانات على السواء، إلاَّ أن العادة في الأكل مختصة برأس الغنم.

- وكذا إطلاق لفظ البيض على بيض العصفور والحمام شائع كما شاع في بيض الدجاج والإوز لكن العادة الظاهرة في الأكل اختصت بأكل بيض الدجاج والإوز دون غيرهما.

وقال الكمال بن الهمام: كما يقدم المعنى الشرعي في خطاب أهل الشرع على المعنى اللغوي، كذا يقدم المعنى العرفي على اللغوي في لسان أهل العرف خاصًّا كان أو عامًّا.

وضرب لذلك مثلًا فقال: فلو حلف لا يأكل بيضًا كان المحمول عليه ذا القشر.. ولا يدخل فيه بيض السمك إلاَّ أن ينويه، ويدخل بيض النعام – فيحمل على ما ينطلق عليه اسم البيض ويؤكل عادة.. فعلم أن المراد دخوله فيما إذا كانت عرف خطاب الحالف بحسب معتادهم في الإطلاقات ما يعمّ بيض النعام.

وأما إذا كان العرف ما هو أخص من ذلك فلا يدخل فيه فيدور ذلك مع التعارف وهكذا في مسألة الطبيخ والشواء: فتركت الحقيقة وهي العموم بالعادة بخلاف ما تقدم؛ فإن الحقيقة تركت فيه بغلبة استعمال اللفظ في تلك المعاني كما بينا لا بالعادة لأن الناس كما اعتادوا فعل الصلاة اعتادوا الدعاء أيضًا (٢)

العرف في أقوال الفقهاء

اتفقت كلمة الفقهاء على الاستدلال بالعرف إما باستنباط الأحكام بناء على العرف أو التصريح بحجة العرف سواء كان ذلك في كتب القواعد الفقهية أو من خلال عرض المسائل التي اعتمد في تخريجها على العرف. ومن ذلك قولهم.

اتباع العرف أمر مجمع عليه حكاه القرافي ونقله التسولي في (البهجة: ٢ /٨٩) ، وقال صاحب المغنى في مفهوم إحياء الموات – الإحياء ما تعارفه الناس إحياء: ٢ /٤٣٥، وقال التادي في هامش (البهجة: ٢/٩٤) : إذا جرى العرف بشيء صار هو الأصل، وقال صاحب المهذب في الإذن (إطلاق الإذن يحمل على العرف) ونقل التسولي في الالتزام في عقد النكاح يكون باللفظ والعادة. وقال ألفاظ الوقف تجري على العرف. (البهجة: ١ /٢٣٠)

واعتبر القاضي حسين أن الرجوع إلى العرف أحد القواعد الخمس التي يبنى عليها الفقه حكاه ابن حجر في (الفتح: ٤ /٤٠٦) ، هذا ومن المالكية محمد بن سحنون قال: أن كان للقوم عادة وعرف متقدم بينهم حملوا على عرفهم وعاداتهم. (ملتقى ابن عرفة: ص ٣٧٠) .

وأما السرخسي الفقيه والأصولي الحنفي فذكر في غير موضع من المبسوط حجية العرف قال: الأيمان مبنية على العرف.. وتعامل الناس – من غير نكير منكر – أصل في الشرع، والتعيين في العرف كالتعيين بالنص، والثابت بالعرف كالثابت بالنص، جوزنا العقود بالعرف وإن كان القياس يأباه. (المبسوط: ٣ /١٤) .

ويقول البدر العيني: العرف عند الفقهاء أمر معمول به. وقال: حمل الناس على أعرافهم ومقاصدهم واجب. (عمدة القاري: ١٢ /١٦) ، وقال الجصاص الحنفي اعتبار الوسع مبني على العادة. (الأحكام: ١ /٤٧٩) ، بل ونقل عن ابن الهمام قوله: العرف بمنزلة الإجماع عند عدم النص. (الفتح: ٧ /١٥) ، ويقول ابن العربي المالكي: العرف والعادة أصل من أصول الشريعة وقد جمع الأستاذ أبو عجيلة في كتابه العرف حكاية أقوال الفقهاء (فقهاء المذاهب) في (حجية العرف: ص ٢٤٧ – ٢٥٨) .

العرف المخصص للعام نوعان:

١- العرف القولي، أو العادة القولية.

٢- العرف العملي، أو العادة الفعلية.

حجية كل من العرف القولي والعرف العملي في حاكميته على النص تقييدًا وتخصيصًا عند الأصوليين.

- لا نزاع بين الأصوليين أن العرف القولي يقضي على النص فيقيده إن كان مطلقًا

ويخصصه أن كان عامًا. ونص عليه الغزالي وصاحب المعتمد والآمدي ومن تبعه (٣)


(١) عبد العزيز البخاري: ٢ /٩٨؛ وأصول السرخسي: ١ /١٩١؛ وكشف الأسرار على المنار: ١ /٢٦٩؛ والتحرير: ٢ /٢٠.
(٢) البزدوي، كشف الأسرار: ٢ /٩٩؛ وكشف الأسرار على المنار: ١ /٢٧١.
(٣) نهاية السول: ٢ /٤٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>