للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول أيضًا: "اعتبار العادة والعرف رُجِع إليه في مسائل كثيرة، حتى جعلوا ذلك أصلًا فقالوا في الأصول في باب "ما تترك به الحقيقة: " تترك الحقيقة بدلالة الاستعمال والعادة، هكذا ذكر فَخر الإِسلام، وفي "شرح في الأشباه" للبيرمي، قال: الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي. وفي المبسوط: الثابت بالعرف كالثابت بالنصّ " (١) .

وقال القرافي: "كلُّ من له عرف سيحمل كلامه على عرفه" (٢) .

وقد بوَّب البخاريُّ في "جامعه الصحيح" للعرف الصحيح الذي أقرته الشريعة، فقال: "باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيوع والإِجارة والمكيال والميزان، وسننهم على نيَّاتهم ومذاهبهم المشهورة " (٣) .

وأورد تحت هذا الباب قول شُرَيْحَ للغَزَّاليِن: "سُنَّتَكُم بينكم". ومراده أن الذي يحكمهم هو ما تعارفوا عليه، وأصبح لهم سنَّةً وطريقة، وأورد تحت هذا الباب اكتراء "الحسن البصري من عبد الله بن مِرْداس حمارًا، فقال له الحسن: بكم؟ قال: بدانقين. فركبه ثمَّ جاء مرة أخرى، فقال: الحمارَ الحمارَ، فركبه ولم يشارطه، فبعث إليه بنصف درهم". فالحسن لم يشارطه في المرة الثانية، بل اكتفى بالاتفاق الأول، وإن كان زاده دانقًا من عنده تفضلًا. وأورد البخاريُّ تحت هذا الباب حديث عروة عن عائشة رضي الله عنها: "قالت هند أمُّ معاوية لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أبا سفيان رجل شحيح، فهل على أن آخذ من ماله سرًّا؟ قال: ((خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف)) (٤) .

وأورد حديث عائشة أنَّها فسَّرت قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} (٥) . قالت "أُنْزِلت في والي اليتيم الذي يقيم عليه، ويصلح في ماله إن كان فقيرًا أكل منه بالمعروف" (٦) .

قال ابن حجر في شرحه لترجمة الباب: "قال ابن المنير: مقصوده بهذه الترجمة إثبات الاعتماد على العرف، وأنَّه يُقْضى به على ظواهر الألفاظ، ولو أن رجلًا وكَّل رجلًا في بيع سلعة فباعها بغير نقد البلد الذي عرف الناس لم يجز، وكذا لو باع موزونًا أو مكيلًا بغير الوزن أو الكيل المعتاد".


(١) نشر العرف: راجع مجموعة رسائل ابن عابدين: ٢ /١١٣. وانظر الأشباه والنظائر، لابن نجيم: ص ٩٣
(٢) الفروق، للقرافي: ١ /٧٦.
(٣) صحيح البخاري: انظر فتح الباري: ٤ /٤٠٥.
(٤) صحيح البخاري: انظر فتح الباري: ٤ /٤٠٥.
(٥) سورة النساء: الآية ٦.
(٦) صحيح البخاري: فتح الباري: ٤ /٤٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>