للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونقل عن القاضي حسين من الشافعية: "أنَّ الرجوع إلى العرف أحد القواعد الخمس الذي يبنى عليها الفقه. فمنها: الرجوع إلى العرف في معرفة أسباب الأحكام من الصفات الإِضافية، كصغر ضبة الفضة وكبرها، وغالب الكثافة في اللحية ونادرها، وقرب منزل وبعده، وكثرة فعل أو قلته في الصلاة ... وثمن مثل، ومهر المثل، وكفء نكاح، ومؤنة نفقة وكسوة وسكنى، وما يليق بحال الشخص من ذلك. ومنها: الرجوع إليه في المقادير كالحيض والطهر، وأكثر مدة الحمل وسن اليأس. ومنها: الرجوع إليه في فعل غير منضبط يترتب عليه الأحكام كإِحياء الموات، والإِذن في الضيافة، ودخول بيت قريب، وتبسط مع صديق، وما يعدُّ قبضًا وإِيداعًا وهديَّة وغصبًا وحفظ وديعة انتفاعًا بعارية. ومنها: الرجوع إليه في أمر مخصوص كألفاظ الأيمان، وفي الوقف والوصيَّة والتفويض ومقادير المكاييل والموازين والنفوذ وغير ذلك (١) .

المبحث الثالث

الأدلَّة على اعتبار العرف

سبق أن بيَّنا أن أهل العلم على اختلاف مذاهبهم أصدروا كثيرًا من الأحكام والفتاوى بناء على ما تعارف أهل عصرهم عليه.

وقد استدلَّوا على اعتبار القدر الذي حدَّدناه في العرف بأدلة منها:

١- النصوص المطلقة التي وردت في الكتاب والسنة، وترك تفسيرها وتحديدها إلى عرف أهل كل عصر وبلد، وسيأتي ذكر أمثلة كثيرة لهذا النوع من العرف.

٢- واستدلُّوا بقاعدة رفع الحرج، ووجه الاستدلال أن ثبات العوائد على حكم واحد على الرغم من تغيُّرها وتبدُّلها يوقع الناس في حرج شديد، وضيق أكيد، ويخرج الأحكام التي تنسب إلى الشريعة عن جادَّة العدل والرحمة التي تتصف بهما الشريعة إلى الظلم والقسوة اللذين برأ الله شريعته من الاتصاف بهما.

يقول الشاطبي في هذا المعنى: " العوائد الجارية ضرورية الاعتبار شرعًا، كانت شرعية في أصلها أو غير شرعية، أي سواء كانت مقررة بالدليل شرعًا أو أمرًا أو إذنًا أم لا؟ " (٢) . ويقول مبينًا وجه ضرورتها: "لو لم تعتبر العوائد لأدَّى إلى تكليف ما لا يطاق، وهو غير جائز أو غير واقع" (٣) .


(١) فتح الباري: ٤ /٤٠٦.
(٢) الموافقات: ٢ /٢١١.
(٣) الموافقات: ٢ /٢١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>