للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول ابن عابدين مبيَّنًا الآثار السيئة المترتبة على عدم اعتبار العرف وعدم مراعاة تغيُّرها من قبل العلماء والقضاة والمفتين: "كثير من الأحكام تختلف باختلاف عادات الزمان لتغيّر عرف أهله أو لحدوث ضرورة فساد أهل الزمان بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولًا للزم منه المشقَّة والضرر بالناس ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد لبقاء العالم على أتمّ نظام وأحسن إِحكام" (١) .

واستدل كثير من الباحثين في العرف والعوائد على حجيتها بقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (٢) .

ولا يتم الاستدلال بهذه الآية إلاَّ بناء على القول بأنَّ المراد بالعرف فيها المعنى الاصطلاحي، وقد بَيَّنتُ فيما سبق أن المراد بالعرف في الآية العرف المعني الذي قال فيه ابن الأثير: "هو اسم جامع لكلَّ ما عرف من طاعة الله والتقرب إليه والإِحسان إلى الناس، وكلّ ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات، وهو من الصفات الغالبة، أي أمر معروف بين الناس إذا رأوه لا ينكرونه" (٣) .

واستدلَّ آخرون على حجيَّة العرف بحديث رفعوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن)) .

وهذا الحديث لا يصحُّ رفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. قال السيوطيُّ بعد أن ساق الحديث في "أشباهه": "قال العلائيُّ: ولم أجده مرفوعًا في شيء من كتب الحديث أصلًا ولا بسند ضعيف بعد طول البحث وكثرة الكشف والسؤال. وإِنَّما هو من قول عبد الله بن مسعود أخرجه أحمد في مسنده" (٤) .

وقد أكد العجلونيُّ عدم صحة رفع الحديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ونقل عن الحافظ ابن عبد الهادي أن إِسناد المرفوع إسنادٌ ساقط، ونبَّه العجلونيُّ أيضًا إلى أمرين:

الأول: أن الحديث رُوي بإسناد حسن إلى ابن مسعود موقوفًا عليه.

والثاني: أن الحديث الموقوف رواه أحمد في كتاب "السنَّة" لا في "المسند" كما عزاه إليه بعض أهل العلم.


(١) نشر العرف: (انظر مجموعة رسائل ابن عابدين) : ٢ /١٢٣.
(٢) سورة الأعراف: الآية ١٩٩.
(٣) النهاية، لابن الأثير: ٣ /٢١٦.
(٤) الأشباه والنظائر: ص ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>