للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر العجلونيُّ أيضًا أنَّه أخرجه البزَّار والطيالسيُّ والطبرانيُّ وأبو نعيم والبيهقيُّ في "الاعتقاد" عن ابن مسعود (١) .

هذه هي الأدلة التي استدلَّ بها الفقهاء على حجيَّة العرف في الدائرة التي يجوز أن يستند فيها إلى العرف والعوائد.

أما العرف عند القانونيين فإنَّهم اختلفوا في مصدر قوته، ففريق منهم يرى أن أساس قوته الملزمة هو رضا واضع القانون عنه وقيامه على تطبيقه، فيعتبر بذلك إرادة ضمنية له كما يعتبر التشريع إرادة صريحة.

وهذا الاتجاه يعتبر القانون وليد إرادة الدولة بحيث لا يتصوَّر وجود قانون دون الاستناد إلى هذه الإِرادة.

ويكفي للرد على هذا الاتجاه أن العرف كان أسبق في الوجود من القانون المدوَّن ممَّا يدل على أنَّه مصدرٌ مستقلٌ عن القانون لا يحتاج إلى صدور قانون به.

وذهب فريق وهم القائلون بالمذهب التاريخي إلى إِسناد قوة إلزام العرف إلى "الضمير الجماعي" وهذا الضمير يحلُّ عندهم محلَّ إرادة مصدر القانون.

ويرى فريق ثالث أن أساس قوة العرف هو قضاء المحاكم بتطبيقه لا من باب إلزام العرف من تلقاء نفسه، ويرى "لامبير" القانوني الفرنسيّ أن العرف لم يَخْرج من العادات الشعبية، وإنَّما خرج من أحكام الكهنة والقضاة الذين كانوا يستمدُّون سلَطَتهم في القضاء من صفتهم الدينية نظرًا لاختلاط القانون بالدَّين حينئذ، ولم يتغيَّر الحال بعد ذلك، لأنَّ القضاة أصبحوا يستمدّون سلطتهم في القضاء من الدولة لا من الدين.

ويرى القانونيون في هذا العصر أن قوة العرف مستمدَّة من الضرورة الاجتماعية التي تفرضه وتحتَّم وجوده حين لا يوجد قانون مدوَّن كما في الجماعات البدائية أو حين يكون القانون المدوَّن ناقصًا كما في الجماعات الحديثة (٢) .

ونحن في هذا ليس لنا غرض في مناقشة هذه النظريات والموازنة بينها، بل نرى أن القانونيين أخطأوا ليس في نظرتهم إلى مصدر قوَّة العرف فحسب، بل في نظرتهم إلى أساس قوة القانون، ففلاسفة اليونان يجعلون الحاكم أو السلطان هو صاحب الحقَّ في سنَّ القوانين، والعلماء الغربيون جعلوا ذلك حقًّا من حقوق المجالس التشريعية المسمَّاة بالبرلمان أو مجلس الأمة.


(١) كشف الخفاء ومزيل الإِلباس، للعجلوني: ٢ /١٨٥.
(٢) راجع أصول القانون، للدكتور حسن كيره: ص ٣٤٦ – ٣٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>