للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الخامس

الشروط التي يجب توفرها في العرف الذي يحتجُّ به

اشترط علماؤنا في العرف الذي يعتبر شرعًا عدَّة شروط:

الأول: أن لا يخالف العرف الشريعة، فإن خالف العرف نصًّا شرعيًّا أو قاعدة من قواعد الشريعة فإنَّه عرف باطل.

فالعرف الذي يُحلُّ الحرام، ويحرَّم الحلال، ويناقض الشريعة لا يجوز أن يصير العباد إليه، وهو ليس من المعروف، بل من المنكر الذي تجب محاربته مثل ما اعتاده الناس من أكل الربا والتبرج ومنكرات الأفراح والمآتم وعقود المقامرة وحرمان النساء من الإِرث في بعض البلاد وأخذ الرشوة ولبس الرجال الذهب والحرير.

وقد سبق الحديث عن هذا النوع من العرف وهو الذي يسمَّيه الفقهاء بالعرف الفاسد أو العرف الباطل.

الثاني: أن يكون العرف مطّردًا أو غالبًا، ومعنى اطراده أن يكون العمل بالعرف مستمرًا في جميع الحوادث، لا يتخلف في واحدة منها، أو يكون غالبًا في أكثر الحوادث.

يقول السيوطيُّ: إنَّما تعتبر العادة إذا اطَّردت، فإن اضطربت فلا، وإن تعارضت الظنون في اعتبارها فخلاف (١) .

وعزا السيوطيّ إلى إمام الحرمين قوله في باب الأصول والثمار: كلُّ ما يتَّضح فيه اطراد العادة فهو المحكم، ومُضْمَرُه كالمذكور صريحًا" (٢) .

وقال ابن نجيم: "إنَّما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت، ولذا قالوا في البيع: لو باع بدراهم أو دنانير وكانا في بلد اختلفت فيه النقود مع الاختلاف في المالية والرواج انصرف البيع إلى الأغلب. قال في الهداية: "لأنَّه هو المتعارف، فينصرف المطلق إليه".

ومنها لو باع التاجر في السوق شيئًا بثمن ولم يصرَّحا بحلول ولا تأجيل، وكان المتعارف فيما بينهم أن البائع يأخذ كلَّ جمعة قدرًا معلومًا انصرف إليه بلا بيان.

قالوا: لأنَّ المعروف كالمشروط" (٣) .


(١) الأشباه والنظائر، للسيوطي: ص ٩٢.
(٢) الأشباه والنظائر، للسيوطي: ص ٩٢.
(٣) الأشباه والنظائر، لابن نجيم: ص ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>