للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: أن يكون العرف المراد العمل به والسير وفقه موجودًا عند إنشاء التصرف. ومن هنا قال السيوطي: "العرف الذي تحمل عليه الألفاظ إنَّما هو المقارن السابق دون المتأخر (١) .

وقال ابن نجيم: العرف الذي تحمل عليه الألفاظ إنَّما هو المقارن السابق دون المتأخر، ولذا قالوا: لا عبرة بالعرف الطارئ (٢) .

الرابع: أن لا يصرح المتعاقدان بخلافه فلو صرَّحا بخلافه فلا حكم للعرف، فإذا كان العرف جاريًا على أن يدفع المستأجر الأجرة مقدمًا في أول كلَّ شهر فاتفقا على دفع أجرة المنزل في آخر الشهر جاز.

وفي هذا يقول العزُّ بن عبد السلام: "كلُّ ما يثبت في العرف إذا صرَّح المتعاقدان بخلافه بما يوافق مقصود العقد صحَّ.

فلو شرط المستأجر على الأجير أن يستوعب النهار بالعمل من غير أكل وشرب لزمه ذلك، ولو شرط عليه أن لا يصلي الرواتب، وأن يقتصر في الفرائض على الأركان صحَّ، ووجب الوفاء بذلك، لأنَّ تلك الأوقات إنمَّا خرجت عن الاستحقاق بالعرف القائم مقام الشروط، فإذا صرَّح بخلاف ذلك مما يجوَّزه الشرع ويمكن الوفاء به جاز" (٣) .

والباحثون في القانون الذين يفرَّقون بين العادة والعرف يشترطون في الركن المادي وهو العادة عدة شروط (٤) .

وهم يوافقون الفقهاء في اشتراط كون العادة عامَّة مطردة وقديمة، ويعنون بالقديمة أن يكون مضى على نشوئها مدة طويلة تدلُّ على رسوخ أثرها في النفوس وقيام عرف مستقرًّ على أساسها، والفقهاء لم يبحثوا في قِدَم العادة، وكلُّ ما اشترطوه هو وجود العرف عند إنشاء التصرف، والشرطان مؤداهما واحد.

ويشترط الفقهاء عدم تصريح المتعاقدين بخلاف العرف، فلو صرَّحا فلا حكم للعرف، والقانونيون يرون أن العرف ملزم لا يجوز للمتعاقدين مخالفته، لأنَّه بمثابة القاعدة القانونية، ولا شكَّ أن نظر الفقهاء أدقُّ وأهدى، فإنَّ الإِلزام به إنما يكون عندما يحصل الخلاف، ولا اتفاق عندئذٍ لا يكون أمامنا إلاَّ عرف الناس المماثل للقضية المطروحة، فإذا صرَّحا بخلافه فلا شك في عدم المصير إليه.


(١) الأشباه والنظائر، للسيوطي: ص ٩٦.
(٢) الأشباه والنظائر، للسيوطي: ص ١٠١.
(٣) قواعد الأحكام للعزَّ بن عبد السلام: ٢ /١٨٦.
(٤) انظر هذه الشروط في كتاب أصول القانون، للدكتور عبد المنعم فرج الصدَّة: ص ١٢٧؛ وأصول القانون، للدكتور حسن كيرة: ص ٣٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>