للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفقهاء يصرَّحون ببطلان العرف الذي يخالف نصًّا من نصوص الشريعة، والقانونيون يرون بطلان العرف إذا خالف قاعدة نصَّ عليها القانون، وقد بينا الظلم الكبير الذي وقع على الشريعة بسب إِقصائها وتحكيم القوانين الوضعية في رقاب المسلمين.

واشترط القانونيين عدم مخالفة العادة للنظام العام أو لآداب المجتمع، ولا حاجة بالفقهاء للنصَّ على هذا الشرط، لأنه داخل في شرطهم الكبير، وهو عدم مخالفة العرف للشريعة، والشريعة تضمُّ الأحكام الأخلاقية والآداب الاجتماعية التي يجب الالتزام بها، كما تضمُّ الأحكام العملية، والأحكام الاعتقادية.

المبحث السادس

أقسام العرف وأمثلته

قَسَّم الفقهاء العرف إلى عرف قوليّ وعرف عمليّ من جهة، وعرف عامّ وعرف خاصّ من جهة أخرى، وأطالوا في التمثيل للمسائل التي تبنى على العرف، وسنورد في هذا البحث ثلاثة مطالب لتجلية هذه المسائل الثلاث.

المطلب الأول

العرف القولي والعرف العملي

العرف القولي أو اللفظي هو الذي يسمَّيه الأصوليون بالحقيقة العرفية، ويسمَّيه بعض الفقهاء بالعادة في اللفظ، وقد عرَّفه ابن عابدين، بقوله: "العرف القولي: هو أن يتعارف قوم إِطلاق اللفظ لمعنى بحيث لا يتبادر عند سماعه إلاَّ ذلك المعنى" (١) .

وعرَّفه القرافي بقوله: "العادة في اللفظ: أن يغلب إِطلاق لفظ أو استعماله في معنى حتى يصير هو المتبادر من ذلك اللفظ عند الإِطلاق مع أن اللغة لا تقتضيه، فهذا هو معنى العادة في اللفظ، وهو الحقيقة العرفيَّة، وهو المجاز الراجح في الأغلب، وهو معنى كلام الفقهاء أن العرف يُقَدَّم على اللغة عند التعارض، وكلُّ ما يأتي من هذه العبارات" (٢) .


(١) تنبيه الرقود على أحكام النقود، لابن عابدين: ص ٣٦. وهذا التعريف عزاه ابن عابدين، لابن أمير حاج.
(٢) الإِحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام، للقرافي: ص ٢٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>