للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال فيه شيخ الإِسلام: " الحقيقة العرفيَّة: هي ما صار اللفظ دالاَّ فيها على المعنى بالعرف لا باللغة، وذلك المعنى يكون تارة أعمّ من اللغوي، وتارة أخصّ، وتارة مباينًا له.

فالأول: مثل لفظ (الرقبة) ، و (الرأس) ، كان يستعمل في العضو المخصوص، ثمَّ صار يستعمل في جميع البدن (١) .

والثاني: أن يوضع الاسم لمعنى عامّ، ثم يُخَصص عرفُ الاستعمال من أهل اللغة ذلك الاسم ببعض مسمياته، كاختصاص اسم الدابّة بذوات الأربع مع أن الوضع لكلَّ ما يدبَّ، واختصاص اسم المتكلم بالعالم بعلم الكلام مع أن كلّ قائل ومتلفظ متكلم، كاختصاص اسم الفقيه ببعض العلماء وبعض المتعلمين مع أن الوضع عامّ. قال الله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} (٢) . وقال" {خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} (٣) .وقال عزَّ وجلَّ: {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} (٤)

والثالث: أن يصير الاسم شائعًا في غير ما وضع له أولًا بل فيما هو مجاز فيه، كالغائط المطمئن من الأرض، والعذرة البناء الذي يستتر به، وتقضى الحاجة من ورائه، فصار أصل الوضع منسيًّا والمجاز معروفًا سابقًا إلى الفهم بعرف الاستعمال" (٥) .

ومثَّل شيخ الإسلام للثالث بلفظ "الغائط" و "المزادة". و "الظعينة" و "الراوية". فإنَّ الغائط في اللغة هو المكان المطمئنُّ من الأرض، فلمَّا كانوا ينتابونه لقضاء حوائجهم سَمُّوا ما يخرج من الإِنسان باسم محله. والظعينة اسم الدابَّة، ثمَّ سَمُّوا المرأة التي تركبها باسمها، ونظائر ذلك (٦) .

ومن أمثلة العرف القولي إطلاق النّاس الولد على الذكر دون الأنثى، ومع أن الشريعة تطلقه على الذكر والأنثى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (٧) .

والعرف العملي ما جرى عليه عمل الناس وتعارفوه في معاملاتهم وتصرفاتهم، فمن ذلك اعتياد الناس أجرة معينة لبعض الأعمال، مثل ما تعارف عليه أصحاب سيَّارات الأجرة والنقل من أجرة معيَّنة عند نقل الركاب من مكان إلى مكان، ومثل تعارف الناس على البيع بالمعاطاة من غير إِيجاب وقبول عند شراء حوائجهم من أسواقهم وحوانيتهم.


(١) مجموع الفتاوى شيخ الإِسلام: ٧ /٩٦.
(٢) سورة البقرة: الآية ٣١.
(٣) سورة الرحمن: الآيتان ٣، و٤.
(٤) سورة النساء: الآية ٧٨.
(٥) المستصفى، للغزالي: ١ /٣٢٥.
(٦) مجموع فتاوى شيخ الإِسلام: ٧ /٩٧. وانظر: المطلع على أبواب المقنع: ص ٣٩١.
(٧) سورة النساء: الآية ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>