للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والواقع أن العرف احتل مكانًا مرموقًا بين اجتهادات الصحابة وتطبيقات الخلفاء الراشدين والأمثلة على ذلك كثيرة، نذكر منها أن الخليفة عمر بن الخطاب أمر الموظفين المحليين في إيران بإبقاء القوانين السابقة فيما يخص الموارد الزراعية سارية المفعول دون تغيير يذكر (١) وكذلك أن الخليفة نفسه لجأ إلى مبدأ التعامل بالمثل فيما يتعلق بالمكوس الجمركية التي يتم تحصيلها من التجار الأجانب (٢) وجدير بنا أن نشير إلى أننا نجد تصريحًا خاصًّا بوجوب مراعاة العرف في عهد الصحابة رضي الله عنهم، وذلك في القضية التالية المعروضة على القاضي شريح: " أن ناسًا من الغزالين اختصموا إلى شريح في شيء كان بينهم فقالوا: إن سنتنا بيننا كذا وكذا، فقال سنتكم بينكم " (٣) .

ونعتقد أن عبارة الدكتور زيدان التالية تلقي الأضواء على مسألة دليل العرف حيث يقول: " وأساس اعتبار العرف دلالة القرآن والسنة أما دلالة القرآن فنجدها في قاعدة رفع الحرج عن الناس، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [سورة الحج: الآية ٧٨] ولا شك أن في نزع الناس عما ألفوه بلا مبرر نوعًا من الحرج عليهم، وأما دلالة السنة فتظهر في إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لأعراف الجاهلية الصحيحة " (٤) .

أما مسألة تأثر الفقه الإسلامي بأحكام نظم الحقوق الأخرى وكذلك علاقة الأحكام التقريرية في الإسلام بشرائع من قبلنا فلا نتطرق إليها لبقائها خارج نطاق موضوعنا أساسًا (٥) .

ومهما يكن من أمر، فإننا من خلال دراستنا للأدلة العامة نتوصل إلى نتيجة أن العرف يحتل مكانًا مرموقًا في الفقه الإسلامي وفق إرادة الشارع وإن كان الشارع لم يحل عليه بصراحة (٦) .


(١) HAMIDULLAH (Muhammed) , “Nouvelle etude des sources du droit musulman”, dans Proceeding of International Congress of Orientalists, Istanbul, ١٩٥٤.) ترجمته إلى اللغة التركية) : Islam Tetkikleri Enstitasu Dergisi, I, ١٩٥٤. المترجم: (Bulent DAVRAK) . P٦٤.
(٢) Turnagil (Ahmed Resid) , Islamiyet ye killetler hukuku Istanbul, ١٩٧٢, p ١٢٤, HAMIDULLAH.) الإسلام والقانون الدولي) ص ٦٤، المقال المذكور.
(٣) العيني، عمدة القاري: ١٢ /١٦.
(٤) زيدان (عبد الكريم) ، الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام، بيروت، ١٩٨٨ م، ص ٢٥ ويؤيد ذلك ما ورد في استدلالات الفقهاء على أهمية العرف في الشريعة الإسلامية، انظر مثلًا: السرخسي، المبسوط: ١٢ /٤٦، ١٩٧، ١٣ /١٤، ١٥.
(٥) انظر: أبو سنة، العرف والعادة: ص ٨٢؛ الجيدي، العرف والعمل: ص٦٤ – ٦٧؛ hamidullah، "la philosophie juridique chez les musulmana" p١٤٦ hamidullah. Influence of roman law on muslim law" islam Tetkikleri enstitusu dergisi, iv, ١-٢ istanbul, ١٩٧٥.
(٦) إشارة قسمية إلى نفس الفكرة: SCHACHT (Joseph) , "Sharia ", Encyclopedie de L" Islam, ٤ /٣٣٥

<<  <  ج: ص:  >  >>