للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتضح من التعريف السابق أن العرف يقوم على ركنين: ركن مادي، وهو اعتياد الناس على سلوك معين. وركن معنوي، وهو اعتقاد الناس بأن القاعدة التي نشأت من هذا السلوك قاعدة ملزمة.

٥-١-١- الركن المادي: الاطراد أو الغلبة (١) :

يجب أن يكون العمل بالعرف مستمرًا في جميع الحوادث أو في أكثرها إذا كانت العادة جارية في مكان ما بصفة مستمرة فهذه تسمى مطردة وإذا كانت لا تختلف إلا في حالات نادرة تسمى غالبة (٢) لأن ذلك هو أمارة فعلية المبني على الحاجة الماسة إليه، في حل مشكلات الناس وتحقيق مصالحهم، واستقامة أمرهم، الأمر الذي استدعى المجتهد إلى مراعاته (٣) .

يقول الأستاذ الزرقاء أثناء ذكر شرائط اعتبار العرف: " فاشتراط الاطراد أو الغلبة في العرف معناه اشتراط الأغلبية العملية فيه لأجل اعتباره حاكمًا في الحوادث، أما الأغلبية العددية بمعنى أن يكون العرف جاريًّا بين جميع القوم أو أكثرهم فهي ليست من قبيل الشرائط، بل هو ركن في تكوين لا يتحقق معناه دونها، وهو النصاب العددي الذي تقدم بيانه لتحقق معنى العرف لأن العادة الفردية لا تصبح عرفًا إلا إذا اعتمدها أكثر القوم في بيئتها إذن العرف هو عادة الجمهور " (٤) .

مع أن هذا التفريق يبدو وجيهًا للوهلة الأولى إلا أننا لا نوافقه عليه بالكلية، لأنه إذا تحققت الأغلبية العددية في جميع الحوادث أو أكثرها فتتحقق الأغلبية العملية أيضًا، أما إذا لم تتحقق إلا في حوادث نادرة فلا يمكن اعتبار قيام العرف وتوافر أركانه بمجرد وجود هذه الأغلبية العددية في حادثة أو حوادث معينة.


(١) مرغناني، الهداية: ٥ /٤٦٩؛ ابن نجيم، الأشباه والنظائر: ١ /١٢٨؛ مجلة الأحكام العدلية، المادة ٤١.
(٢) عاطف بك، مجلة أحكام عدلية شرحي) شرح المجلة باللغة العثمانية) قسم القواعد الكلية، استانبول ١٣٣٩هـ، ص ٥٠.
(٣) الدريني، المناهج الأصولية، ص ٥٨٧
(٤) الزرقاء، المدخل الفقهي: ٢ /٨٧٤، ٨٧٥

<<  <  ج: ص:  >  >>