للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥-١-٢- الركن المعنوي: الاستقرار في النفوس:

لا نكاد نعثر دراسة لهذا العنصر الداخلي، أو النفسي أو الشعور القانوني (opinio necessitates، element psychologique) في الأبحاث العلمية الحديثة التي تهدف إلى تطوير نظرية للعرف في الفقه الإسلامي، بينما النظريات القانونية تولي له أقصى الأهمية والسر في ذلك – حسب ما يبدو لنا – أن القانونيين – كما سبق أن بينا – ينظرون إلى العرف من ناحية القيمة القانونية له أي من ناحية تكوينه قاعدة قانونية أو عدم تكوينه لها وبالإضافة إلى ذلك لا يرون بأسًا في أخذ القاعدة القانونية صفة الإلزامية من الإرادة البشرية، بل إن القواعد القانونية كلها – سواء كانت مكتوبة أو غير مكتوبة – تستقي في الفقه الوضعي وجودها واستمراريتها من العقل والإرادة البشرية (١) .

ومع هذا كله لا نرى مانعًا من القول بضرورة تواجد هذا العنصر المعنوي للعرف في الفقه الإسلامي أيضا، حتى إننا نعتقد أن وجود واجب للاقتناع والقبول بأن العرف قد تكون، والحقيقة أن الوقوف عند أهمية الركن المعنوي للعرف في الفقه الإسلامي أمر لم نقترحه من عند أنفسنا وإنما هو موجود في عبارات الفقهاء وتفكيرهم وأدل شيء على ذلك هو تعريف النسفي الذي تلقاه العلماء بالقبول منذ القديم، إذا يقول: " ما استقر في النفوس ... " فهذا إن دل على شيء إنما يدل على العنصر المعنوي للعرف (٢) وحتى يمكن القول بأن صاحب التعريف استغنى عن ذكر العنصر المادي صراحة لأن العنصر المادي مندمج في العنصر المعنوي، إذ لا يمكن تكون العنصر المعنوي إلا بتكون العنصر المادي ولتبيين هذه الناحية نود اقتباس النص التالي: " ويتكون هذا الاعتقاد تدريجيًّا، حتى يأتي الوقت الذي يصبح فيه أمرًا محققًا، ولذلك فإنه في مرحلة هذا التكوين قد يختلف الشراح والمحاكم في أن عادة معينة قد أصبحت عرفًا، كما أن البعض قد يراها مجرد عادة لا ترقى إلى مرتبة العرف، ثم يعود بعد ذلك فيعتبرها عرفًا، فإذا جاء الوقت الذي يسود الاعتقاد فيه بأن هذه العادة أصبحت ملزمة، صارت عرفًا لا سبيل إلى الجدل فيه، فالذي يميز العرف عن العادة بالمعنى الذي قدمناه هو هذا الركن المعنوي فطالما لم يقم في ذهن الناس اعتقاد بأن عادة معينة أصبحت ملزمة، فإن هذه العادة لا تعتبر عرفًا، أي لا تكون قانونًا ملزمًا " (٣) .


(١) SAVORY.R.M، Introduction To Islamic Civilisation، Sydney، ١٩٨٠ ,p٥٤
(٢) ويؤيد ذلك ما ورد في كلام الشيخ أبي سنة: " فقد رأينا أن العرف جرى في الأقوال والأفعال التعاملية والخلقية، وعرفنا قبل ذلك أن كيانه يقوم على استقرار الأمر في النفوس وقبول الطباع السليمة له متى توفر ذلك، فقد وجدت حقيقة العرف، وإن كان اعتباره عند الفقهاء مشروطًا بشروط وراء هذا "، (العرف والعادة: ص ٩) وإن كان الشيخ أبو سنة لا يتناول هذه الناحية تحت عنوان الركن أو الأركان.
(٣) فرج الصدة، أصول القانون: ص ١٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>