للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما ما يتبادر إلى الأذهان من أن الركن المعنوي يعكس الإرادة البشرية في التشريع فذلك أمر لم يهمله النسفي في تعريفه السابق للعرف إلا أن الموضوع يحتاج إلى شيء من التفصيل وإلى الاطلاع على ما ورد من مناقشات حول هذه الناحية في النظريات الحديثة ونذكر خلاصة ذلك فيما يلي: " مقتضى النظرية التقليدية هو أن العنصر المادي لا يكفي وحده لإنشاء القاعدة العرفية وأنه يجب أن يضاف إلى العنصر المادي عنصر آخر نفسي هو ما يسمى الشعور القانوني (opinio necessitates) ، ويقصد الشراح بهذه العبارة أحد معنيين:

(أ) فإما أن يكون المقصود بها هو أن الأفراد يعتقدون أن المبدأ الذي يسيرون على مقتضاه يطابق العدل والملاءمات الاجتماعية، ولذا يجب أن ينزل منزلة القانون.

(ب) وإما أن يكون معناها هو اعتقادهم أن المبدأ الذي يأتمرون به هو قانون بالفعل أي قاعدة ملزمة ولذا وجبت إطاعتها ومعظم الشراح على هذا المعنى وعلى أساس هذا العنصر يتميز العرف من سائر أنواع السلوك الأخرى، الفردية والاجتماعية، التي مع استقرارها في الجماعة، لا تعد قواعد قانونية عرفية بسبب أنه ينقصها عنصر الإحساس بإلزاميتها من الناحية القانونية ومن هنا عد العنصر الداخلي هو العنصر المميز والجوهري في العرف باعتباره مصدرًا للقانون، حتى لقد اعتبر العنصر الخارجي – في نظرية قديمة كانت تجعل الشعور القانوني عند الجماعة هو أساس كل قانون - هو الوسيلة التي يظهر بها العنصر الداخلي (الشعور القانوني) ، أي إن الشعور القانوني في العرف كإرادة المشرع في التشريع، فكما أن إرادة المشرع لا تسري في حق المخاطبين بها إلا بالنشر، فكذلك الشعور القانوني لا يلزم الأفراد إلا إذا ظهر إلى الحيز الخارجي عن طريق ممارسة فعلية من جانب الأفراد " (١) .

ونحن نرى – تاركين تفاصيل هذه المناقشات والاعتراضات الموجهة إلى العنصر المعنوي إلى جانب – أن العنصر المعنوي إذا تم تفسيره بالمعنى الثاني من المعنيين السابقين لا يتلاءم والتفكير الإسلامي؛ لأن الشارع في الإسلام هو الله تعالى، وتأخذ الأحكام قوتها الإلزامية من إرادته عز وجل، وبينما لا نعثر على إحالة صريحة على حجية العرف في عبارات الشارع التي تعكس إرادته، وإنما نجده يحيل المسلمين على فكرة العدل والمصالح إذن لا يصطدم العنصر المعنوي مع أسس التفكير الإسلامي إذا فسر بالمعنى الأول، وكما نرى في تعريف النسفي قيدًا لا يترك العنصر المعنوي للعرف على إطلاقه، حيث يقول " ... وتلقته الطباع السليمة بالقبول " وهذا – فيما يبدو لنا – تعبير عن اشتراط الشرط الأساسي للعرف أو لاعتباره وهو أن لا يكون مخالفًا للنص الشرعي ومبادئ التشريع الإسلامي مخالفة صريحة لأنه لا يمكن التصور أن الطباع السليمة في مجتمع يدين بالإسلام ويتمسك بمبادئه تتلقى العرف المخالف للنصوص صراحة بالقبول وإلا خرجت عن كونها سليمة (٢) أضف إلى ذلك أن كل عرف تم تكونه ليس معتبر في الفقه الإسلامي، بل هناك شروط لاعتباره.


(١) الحجازي، المدخل لدراسة العلوم القانونية: ص ٤٤٩- ٤٥٠.
(٢) يقول النسفي: " والطبع مؤيد بالشرع "، المستصفى، مخطوط، ق ١١٥ /ب، ١٩٤ / ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>