للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأننا ذكرنا ضرورة التمييز بين المعاني المختلفة لمفهوم " القياس " وبالأخص عند الأحناف من جهة، وتناول المؤلفين الأحناف في إطار مفهوم " العرف " التعامل الجاري منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم من غير نكير والذي يرجع في حقيقته إلى مفهوم الإجماع أو السنة من جهة أخرى ولا نستطيع القول بأن العرف يترك به القياس حسب معناه المعروف في علم أصول الفقه إلا إذا أمكن التثبت من أن العرف يدل على انتفاء علة ذلك القياس، كما أشرنا إلى هذا سابقًا (انظر: ٢-١-٢ الباب الأول) .

فجهة مشاركتنا لرأي الأستاذ الزرقاء أن الحكم القياسي يمكن تركه للعرف إذا تبين زوال علة الحكم، ففي هذه الحالة لا يعتبر أن العرف دليل يقدم على القياس (١) ، أما جهة مخالفتنا له فهي أن العبارات الواردة في كتب الأحناف مثل: " العرف يترك به القياس " أو " إن العرف بمنزلة الإجماع شرعًا عند عدم النص " لا ينبغي تفسيرها بصورة مطلقة بل يجب التنبه إلى معنى كل من مفهومي " القياس " و " العرف " في تلك الحالات.

ولعل رأي الأستاذ هذا نابع عن عدم احتفاله بالتمييز بين المعاني المختلفة لمفهوم القياس، كما أنه تناول هذا المفهوم مقتصرًا على معناه المعروف في أصول الفقه أثناء توضيحه الاستحسان أيضًا (٢) .

٦- التقييم العام للعرف:

٦-١- مفهوم " المصدر " من ناحية منهجية الحقوق الإسلامية وتقييم العرف:

٦-١-١- مفهوم " الدليل " في أدب الفقه الإسلامي:

إن أكثر الاصطلاحات استعمالًا للتعبير عن مفهوم المصدر في أدب الفقه الإسلامي هو اصطلاح " الدليل " ولذا يتم تناول مصادر التشريع الإسلامي إجمالًا تحت عنوان " الأدلة الشرعية " وقد أورد المؤلفون تعاريف مختلفة لتعيين مضمون هذا الاصطلاح، ولكن الشيء الذي يهمنا هنا هو ثبوت أن المعنى المقصود من اصطلاح الدليل في أصول الفقه أعم بكثير من معنى المصدر الحقوقي (٣) .


(١) سنشير إلى أهمية هذا التمييز تحت عنوان ٦-١-٢، من الناحية المنهجية.
(٢) الزرقاء، المدخل الفقهي: ١ /٧٧- ٨٩، ١٣٥.
(٣) انظر على سبيل المثال: الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، القاهرة ١٩٦٧ م، ١ /١١-١٤، البخاري (عبد العزيز) ، كشف الأسرار، استانبول، ١٣٠٨هـ، ١ /٢٥٥ انظر: لتعريف " الدليل " عند أهل الكلام والمنطق والفقه وأصول الفقه، ولتحاليل ومناقشات واسعة حول معناه: البرزنجي (عبد اللطيف) ، التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية، بغداد، ١٩٧٧ م، ١ /١٧٥- ٢٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>