للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الحجة، وإن بدت أنها صالحة في مجال المقارنة بين القرض والقراض، إلا أنها ليست صالحة في مجال المقارنة بين القرض والبيع بالأجل (أو بيع التقسيط) ذلك لأن المبيع في بيوع التقسيط قد يكون سلعة قيمية مغلة، كالآلة والدابة والعقار، وقد يكون سلعة مثلية ليس لها غلة، كالقمح والشعير والتمر والملح، وسواء كان المبيع سلعة قيمية أو مثلية، فإن الزيادة في الثمن المؤجل جائزة كما بينا (في المبحثين ٦ –٥و٧ –٣) ، وبهذا يتكشف ضعف هذه الحجة.

ويمكن أن نذكر دليلًا آخر على تهافت هذه الحجة، بالاستناد إلى بيع السلم، فبيع السلم هو ضرب من البيع المؤجل، حيث يعجل الثمن، ويؤجل المبيع أو يقسط، وفي هذا البيع، يتسلم البائع نقودًا، لا تغل على رأي هؤلاء العلماء، فيجب إذن أن لا يختلف الثمن في بيع السلم عن الثمن في البيع الحالّ، والحال أنه يختلف، فيكون في بيع السلم أقل منه في البيع الحالّ، لأنه يعجل ولا يؤجل، وعلى هذا يظهر بوضوح أن للزمن قيمة، في الشرع، سواء كان ذلك في النقود أو في السلع المثلية أو في السلع القيمية، وبهذا يتهاوى بناء الحجة المذكورة.

وثمة دليل ثالث على تهافت هذه الحجة، وهو أن النقود في الشرع قد تكون أحيانًا موضع اتجار، وذلك في الصرف، عندما يختلف النقدان، فالذهب بالفضة (أو الدنانير بالدراهم، أو الريال بالليرة) يمكن أن يؤدي إلى التفاضل، أي إلى الربح، وهو ربح العاملين بالصرافة (الصرافين) .

فنحن إذن في غنى عن مثل هذه الحجج، وقد أغنانا الله عنها بحجج قوية واضحة، ذكرناها في مواضع أخرى من هذه الدراسة.

٢- الزيادة في الثمن المؤجل جائزة، لكن لا باعتبارها زيادة في مقابل الزمن (عوض عن الأجل) ، بدليل أن بعض الباعة قد يبيع بثمن آجل يقل عن الثمن العاجل، لحاجته إلى ترويج السلع وتصريفها، ولتوقعه الرخص في المستقبل (الإمام زيد لأبي زهرة ص ٢٩٥) .

وهذه الحجة ضعيفة جدًّا، وصاحبها لا يعرف معنى التحليل العلمي الرشيد (ولا كيف تبنى الفروض والنظريات والقوانين العلمية) سواء كان هذا التحليل في ميدان الفقه أو في أي ميدان آخر من ميادين المعرفة والعلم، ونحن لا ننكر أن الزيادة في الثمن المؤجل قد تكون لاعتبارات أخرى غير الزمن، وسنفرد لهذا مبحثًا خاصًّا في هذه الدراسة، ولكن لا يمكن أن تكون هذه الاعتبارات – أي واحد من هذه الاعتبارات – التي ذكرها صاحب هذه الحجة، لا اعتبار إمكان أن يكون الثمن المؤجل أقل من المعجل، ولا اعتبار توقع الرخص في المستقبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>