للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا فرضنا أن البائع يبيع سلعة بثمن معجل واحد، وثمن مؤجل واحد (لسنة مثلًا) ، لكل المشترين، أي كان هناك ثمن سوق للمبيعات العاجلة، وثمن سوق للمبيعات الآجلة، فلا يمكن أن نتصور أن يكون ثمن المبيعات الآجل أقل من ثمن المبيعات العاجل، ما لم يكن البائع جاهلًا غير رشيد.

وإذا فرضنا أن هذا البائع نفسه، الذي يبيع بثمن السوق، ثمن سوق للعاجل، وثمن سوق للآجل، قد توقع هبوط أسعار سلعه في المستقبل، فإن هذا التوقع قد يؤثر على ثمن السوق في اتجاه الانخفاض، لاسيما إذا كانت الكميات المعروضة من السلعة كبيرة، لكن هذا الانخفاض سيصيب كلًّا من الثمن العاجل والثمن الآجل، وسيبقى الثمن العاجل أقل من الثمن الآجل.

ولئن سمعنا مثل هذه الحجج ممن يعرف الفقه دون الاقتصاد، فمن العجيب أن نسمعها أيضا، على سبيل الترداد، ممن يعرف الاقتصاد، ومن الأعجب أن نسمعها ممن يعرف الاقتصاد والفقه معًا.

ثم إن هذه الحجة تلغي جواز الزيادة في الثمن باعتبار الزمن، مع أن هذا هو موضع النقاش والبحث.

كما إنني أشك في أن يكون صاحب هذه الحجة فقيهًا مشاركًا، ذلك بأن الفقهاء يقولون أن للزمن حصة (أو قسطًا) من الثمن، ألا ترى هذه الكلمة " الزمن"؟ كما أن الفقيه الشوكاني صنف رسالة في الموضوع سمّاها " شفاء الغلل في حكم زيادة الثمن لمجرد الأجل"؟

ترى أيهما أفقه وأيهما يعني ما يقول؟ الفقيه الشوكاني أم صاحب هذه الحجة؟

٣- نعم بيع التقسيط تجوز فيه زيادة الثمن لأجل الأجل، لأنه عقد قائم بذاته، وإنما يأتي التشويش من مقارنته بعقود أخرى كالقرض، فلماذا نقارنه بالقرض؟ لماذا لا ننظر إلى كل عقد على حدة؟ فالقرض جائز، والزيادة فيه للأجل غير جائزة، وبيع الأجل جائز، والزيادة فيه للأجل جائزة، لم لا؟ (الإمام زيد لأبي زهرة ص ٢٩٥) .

هذه الحجة لا يصلح أن يطلق عليها حجة، فهي تهرب من الحِجَاج وأصول المناظرة والاستدلال والحوار العلمي، ولا يمكن لباحث أن يستغني عن المقارنة بين العقود، والمقارنة بين الموجودات، وبين الظواهر، فهي السبيل إلى معرفة أوجه الخلاف والائتلاف، وهي السبيل إلى التأمل والاجتهاد والقياس والابتكار، وهي السبيل إلى مضاعفة معارفنا العلمية وتنميتها تنمية أسية (في صورة متوالية هندسية) إن الوصف في العلم هو الطريق الممهد للتعليل (التفسير، الشرح) فمن يقنع اليوم من العلماء بالقول بأن وظيفة العلم هي مجرد الوصف؟ إن كثيرًا من العلماء لم يعودوا يون الوصف علما، وما ذلك إلا براز أهمية التعليل، والتنبؤ، والتحكم بالمستقبل، في مسيرة العلم الحديث.

نعم قد يرتضي تلك الحجة من يرى أن الأمور كلها تعبدية، توقيفية، لا مجال للعقل البشري فيها هذا مع أن كل ما حولنا من ظواهر وإنما يشير إلى أن وراء هذه المظاهر كلها، حتى التعبدية منها، نظامًا وانسجامًا وكمالًا وجمالًا ومنطقًا واحدًا، هو الذي يحرك عقول العلماء، ويجعلهم يرون في كل شيء آية، تزيد العلماء خشية لله الواحد الأحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>