للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المناقشة:

ويمكن أن يرد على ابن أبي ليلى من عدة وجوه:

الوجه الأول: إذا كان هناك بعض الآثار عن بعض الصحابة بهذه التفرقة بين الهبة والصدقة، فإن هناك آثارًا أخرى عن جماعة كثيرة منهم بعدمها، وإن الصدقة والهبة ونحوها لا تتم إلا بالقبض، وأقوال الصحابة لا يكون بعضها حجة على البعض ما دامت مختلفة.

الوجه الثاني: ما قاله الكاساني: "وما روي عن سيدنا عمر، وسيدنا علي رضي الله عنهما محمول على صدقة الأب على ابنه الصغير، وبه نقول، حيث لا حاجة هناك إلى القبض. حملناه على هذا توفيقًا بين الدلائل صيانة لها عن التناقض ..." (١) ، ولا شك أن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما.

الوجه الثالث: أن الصدقة لا تختلف عن الهبة، إذ أنها عقد تبرع فلا يفيد الحكم بنفسه كالهبة، يقول ابن قدامة: " إن الهبة والصدقة والهدية والعطية معانيها متقاربة، وكلها تمليك في الحياة بغير عوض، واسم العطية شامل لجميعها" (٢) .

ويمكن أن نناقش أدلة الرأي الأول (الجمهور) بما يأتي:

أولًا: إن دعوى الإِجماع غير مسلمة وذلك بخلاف بعض الصحابة والتابعين، وبعض المذاهب في هذه المسألة، فقد ذهب إلى عدم حاجة الهبة والتبرعات إلى القبض الإِمام مالك والشافعي في القديم وأبو ثور والحسن البصري، وكذلك ذهب إلى لزوم الصدقة وإن لم تقبض. علي وابن مسعود، وإبراهيم النخعي، وسفيان الثوري، فكيف ينعقد الإِجماع مع خلاف هؤلاء الفقهاء؟!

ثانيًا: أما الآثار الواردة عن الصحابة فليست حجة ما دامت المسألة خلافية بينهم، فأقوال الصحابة والتابعين لا يكون بعضها حجة على الآخر، بل الحجة في كتاب الله، وسنة رسوله، والإِجماع.

ثالثًا: وأما ما ذكروه في الدليل العقلي فليس فيه حجة، إذ أنه على ضوء ما ذهب إليه مالك ومن معه يُمَلَّك الموهوب له ولاية المطالبة، وليس فيه تغيير للمشروع، إذ أن الواهب أصبح ملزمًا بالتزامه بمجرد صدور الإِيجاب منه، وقبول الآخر.


(١) بدائع الصنائع: ٨/٣٦٨٩.
(٢) المغني: ٥/٦٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>