للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالإِضافة إلى أن بعض العلماء قالوا: لا يفهم من الحديث السابق التحريم وإنما التغليظ في الكراهة، وذلك لأن التمثيل بالكلب الذي يعود إلى قيئه وهو غير مكلف يدل على عدم التحريم، غير أن هذا التأويل بعيد عن فهم الحديث، وغير مقبول، ولا يتفق مع بقية الأحاديث التي ورد التمثيل فيها بالعائد إلى قيئه، وهذا محرم بالإِجماع، بالإِضافة إلى أن عرف الشرع في مثل هذه الأشياء يريد به المبالغة في الزجر والشدة في التحريم، مثل قوله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ...} [سورة الحجرات: الآية ١٢] .

وكقوله صلى الله عليه وسلم: ((من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير)) (١) .

وأما الآثار فهي معارضة بالآثار الكثيرة الواردة بخلاف ذلك فلم تنهض حجة.

وأما قياس الهبة والصدقة على الوصية فقياس غير مستقيم من وجهين:

أحدهما: أن الوصية عقد تمليك بعد الموت وهما من عقود التمليك في الحياة.

ثانيهما: أن الوصية قبل موته غير ملزمة أيضًا إذ الموصي له حق الرجوع، ومن هنا كان قياسهم في هذه المسألة في جزء منها، وليس في جميعها، بل يمكن أن نقول: إن قياسهم الهبة على الوصية قياس مقلوب عليهم فيصبح دليلًا لنا وليس علينا، وذلك بأن نقول: إن الهبة مثل الوصية قبل الموت في عدم اللزوم، فالفقهاء متفقون على أن الموصي – وإن صدر منه الإِيجاب – له حق الرجوع، وإنما تلزم بالموت ثم القبول إن كانت لمعين لأن احتمال الرجوع قد انتهى بموته، وحان وقت القبول (٢) .

ويمكن أن نناقش الرأي الثالث: بأن هذه التفرقة لا نجد لها دليلًا له وجاهته واعتباره، وما قالوه لا ينهض حجة، فقياس الهبة على البيع قياس مع الفارق فهو تمليك بعوض في حين أن الهبة تمليك بلا عوض، في حين أن الهبة تمليك بلا عوض، وأحكام الصرف لا تنطبق على الهبة، وإلاَّ لما انعقدت في الربويات إلا بالقبض مع أنها تنعقد فيها حتى عندهم، وإن كانت لا تلزم.


(١) الحديث رواه مسلم، كتاب الشعر: ٤/١٧٧٠، وأحمد: ٥/٣٥٢، ٣٥٧.
(٢) مراتب الإِجماع: ص ١١٢، والمغني: ٦/١٣٣، ١٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>