للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الترجيح:

الذي يظهر لنا رجحانه هو أن العطيات – أي الهبة والهدية، وصدقة التطوع – تنعقد بالإِيجاب والقبول، ولكنها لا تلزم قضاء إلا بالقبض – ما عدا هبة الوالد لولده حيث له الرجوع حتى بعد القبض عند جمهور الفقهاء - (١) .

ولكن إذا تم الإِيجاب والقبول بحيث قال الواهب، أو المصدق أعطيتك كذا فقال الآخر قبلت، فإن الواهب يجب عليه ديانة أن يفي بقوله وإلاَّ يأثم، وبعبارة أخرى يحرم عليه أن يخالف مقتضى عقده، أو وعده، للأحاديث الدالة على حرمة مخالفة الوعد، - ناهيك عن العقد– والأحاديث الدالة على حرمة الرجوع في الهبة ونحوها.

وهناك تفاصيل في شروط القبض، وكيفيته لا تسمح طبيعة البحث بالخوض فيها هنا (٢) .

* القسم الرابع: ما يشترط القبض في استقراره.

ومعنى كون القبض شرطًا للاستقرار أن العقد يتم ويلزم بمجرد الإِيجاب والقبول – مع توفر الشروط المطلوبة – ولكنه يحتاج في استقراره إلى القبض، وبعبارة أخرى: إن ملكية العاقدين للمعقود عليه لا تستقر تمامًا إلا بالقبض، وهذا مثل البيع – في غير الربويات – والسلم بالنسبة للمسلم فيه، والإِجارة، والصداق، ونحوها (٣) .

فعلى ضوء ذلك إذا تم البيع – مثلًا – ولم يتم القبض فإنه قد يترتب عليه عدة آثار من أهمها ما يأتي:

الأثر الأول: أن المبيع يكون على ضمان البائع عند جماعة من الفقهاء ما دام لم يقبض، فعلى هذا لو هلك يضمنه البائع، ويسترجع المشتري حينئذٍ ثمنه، وذهب بعض الفقهاء إلى التفرقة بين الطعام وغيره، بحيث إذا تلف الطعام المبيع قبل قبضه يكون من مال البائع، وأما غيره إذا تلف قبل القبض يكون من مال المشتري، ثم إذا كان التلف قبل القبض – فيما يشترط فيه القبض – بآفة سماوية بطل العقد، ورجع المشتري بالثمن، وإن تلف بفعل المشتري استقر الثمن عليه، وإن أتلفه أجنبي لم يبطل العقد، ويثبت للمشتري الخيار بين الفسخ والرجوع بالثمن وبين البقاء على العقد ومطالبة المتلف بالمثل إن كان مثليًا، وذهب فريق ثالث منهم (الظاهرية) إلى أن الضمان على المشتري مطلقًا (٤) .

الأثر الثاني: اشتراط القبض قبل التصرف في المبيع ونحوه عند جماعة. وبعبارة أخرى عدم جواز بيع المبيع ونحوه قبل القبض يقول ابن رشد: "واختلف من هذه المسألة في ثلاثة مواضع: أحدها: فيما يشترط فيه القبض من المبيعات، والثاني في الاستفادات ... والثالث في الفرق بين ما يباع من الطعام مكيلًا وجزافًا" (٥) .

وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة اختلافًا كبيرًا يمكن حصر اتجاهاتهم في ثلاثة اتجاهات عامة تتمثل في الرفض مطلقًا، والإِجازة مطلقًا، والتوسط القائم على التفصيل وهي:

الاتجاه الأول: يرى عدم جواز بيع المبيع قبل قبضه مطلقًا سواء أكان المعقود عليه طعامًا أم غيره، وسواء أكان مكيلًا أو موزونًا، أو عقارًا أو منقولًا.


(١) فتح الباري: ٥/٢١١، مراتب الإِجماع: ص ١١٢، والمغني: ٦/١٣٣، ١٣٤.
(٢) مراتب الإِجماع: ص ١١٢، والمغني: ٦/١٣٣، ١٣٤، فتح الباري: ٥/٢١١.
(٣) المنثور في القواعد: ٢/٤٠٨، والأشباه للسيوطي: ص ٣٠٥، ٣٠٦.
(٤) يراجع في تفصيل ذلك، وما دار فيه من خلاف: حاشية ابن عابدين: ٤/٤٢، ومختصر الطحاوي: ص ٧٨، ٧٩، وبداية المجتهد: ٢/١٨٥، وحاشية الدسوقي: ٣/٧٠، والفواكه الدواني: ٢/١٣٠، والروضة: ٣/٤٩٩، والغاية القصوى: ١/٤٨٥، والمغني: ٤/١٢١، والمحلى: ٩/٣٤٣، ويراجع: المصنف لعبد الرزاق: ٨/٤٦.
(٥) بداية المجتهد: ٢/١٤٤، ولا تسمح طبيعة البحث في الخوض في كل تفاصيل هذه المسألة.

<<  <  ج: ص:  >  >>