للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد فصل الحنفية في هذه المسألة وفرقوا بين بعض أنواع الفاسد، فقالوا مثلًا إن العقد الفاسد بسبب الإِكراه إذا تم فيه القبض برضا المكره – بفتح الراء – فقد زالت عنه جميع آثار الفساد، أما لو تم القبض فيه بدون رضاه، ثم باعه المشتري إلى شخص آخر، أو وهبه، أو أعتقه فإن هذه التصرفات كلها تنقض، أما إذا كان الفساد بغير الإِكراه وباعه المشتري بيعًا صحيحًا باتًّا لغير بائعه أو وهبه وسلم، أو أعتقه بعد قبضه، أو وقفه، أو رهنه، أو أوصى به، أو تصدق به نفذ البيع الفاسد في جميع ما مرّ، وامتنع الفسخ لتعلق حق العبد به، أما قبل هذه التصرفات، فإنه يمكن لكل واحد من الطرفين أن يفسخه، كما أنه لا يبطل حق الفسخ بموت أحدهما (١) .

وقد لخّص العلامة علاء الدين السمرقندي (ت ٥٣٩ هـ) أحكام القبض في العقد الباطل والفاسد في المذهب الحنفي تلخيصًا جيدًا يحسن ذكره، فقال: "إن كان الفساد من قبل المبيع بأن كان محرمًا نحو الخمر، والخنزير، وصيد الحرم والإِحرام فالبيع باطل لا يفيد الملك أصلًا، وإن قبض، لأنه لا يثبت الملك في الخمر، والخنزير للمسلم بالبيع، والبيع لا ينعقد بلا مبيع ... وإن كان الفساد يرجع للثمن ... كما إذا باع الخمر ... فإن البيع ينعقد بقيمة المبيع، ويفيد الملك في المبيع بالقبض ... وكذلك إذا كان الفساد بإدخال شرط فاسد، أو باعتبار الجهالة، ونحو ذلك، وإن ذكر المبيع، والثمن فهو على هذا يفيد الملك بالقيمة عند القبض.

ثم في البيع الفاسد إنما يملك بالقبض إذا كان بإذن البائع، فأما إذا كان بغير إذنه فهو كما لو لم يقبض ...، وذكر محمد في الزيادة: إذا قبضه بحضرة البائع فلم ينهه، وسكت أنه يكون قابضًا ويصير ملكًا له.

ثم المشتري شراء فاسدًا هل يملك التصرف في المشتري، وهل يكره ذلك؟ فنقول: " لا شك أنه قبل القبض لا يملك تصرفًا ما لعدم الملك.

وأما بعد القبض فيملك التصرفات المزيلة للملك من كل وجه، أو من وجه، نحو الإِعتاق، والبيع، والهبة، والتسليم ...".

وأما الكراهة فقال الكرخي: يكره التصرفات كلها، لأنه يجب عليه الفسخ لحق الشرع، وفي هذه التصرفات إبطال حق الفسخ، أو تأخيره فيكره، وقال بعض مشايخنا: لا يكره التصرفات المزيلة للملك، لأنه يزول الفساد بسببها، فأما التصرفات التي توجب تقرير الملك الفاسد فإنه يكره، والصحيح الأول.


(١) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين ٤/١٢٣-١٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>