للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما المشتري شراء فاسدًا إذا تصرف في المشترى بعد القبض، فإن كان تصرفًا مزيلًا للملك من كل وجه كالإِعتاق والبيع والهبة فإنه يجوز، ولا يفسخ، لأن الفساد قد زال بزوال الملك، وإن كان تصرفًا مزيلًا للملك من وجه أو لا يكون مزيلًا للملك فإن كان تصرفًا لا يحتمل الفسخ كالتدبير، والاستيلاد والكتابة، فإنه يبطل حق الفسخ، وإن كان يحتمل الفسخ كالإِجارة فإنه يفسخ (١) .

وأما جمهور الفقهاء فعلى الرغم من أنهم لم يعترفوا بالتفرقة بين العقد الباطل والعقد الفاسد من حيث المبدأ لكنهم رتبوا بعض الآثار على القبض في العقد الفاسد، يقول ابن رشد: "اتفق العلماء على أن البيوع الفاسدة إذا وقعت ولم تفت بإحداث عقد فيها أو نماء: أن حكمها الرد أعني رد البائع الثمن، والمشتري المثمن واختلفوا إذا قبضت وتصرف فيها بعتق، أو هبة، أو بيع، أو رهن، أو غير ذلك من سائر التصرفات. هل ذلك فوت يوجب القيمة وكذلك إذا نمت أو نقصت؟ فقال الشافعي: ليس ذلك فوتًا، ولا شبهة ملك في البيع الفاسد، وأن الواجب الرد، وقال مالك: كل ذلك فوت يوجب القيمة إلا ما روى عنه ابن وهب في الربا: أنه ليس بفوت ... " (٢) .

فمذهب مالك في هذه المسألة هو أن البيوع الفاسدة عنده تنقسم إلى محرمة، ومكروهة، فأما المحرمة فإنها إذا فاتت بعد القبض مضت بالقيمة وأما المكروهة فإنها إذا فاتت بعد القبض صحت عنده، قال ابن رشد: "وربما صح عنده بعض البيوع الفاسدة بالقبض لخفة الكراهة عنده في ذلك" (٣) .

وجاء في رسالة القيرواني (ت ٣٨٦ هـ) وشرحه للنفراوي: "وكل بيع فاسد – لفقد شرط، أو وجود مانع – فضمانه من البائع، لبقائه على ملكه حيث لم يقبضه المبتاع، فإن قبضه المبتاع قبضًا مستمرًا، فضمانه من المبتاع من زمن قبضه، قال العلامة خليل: وإنما ينتقل ضمان الفاسد بالقبض ...، لأنه قبضه على جهة التملك، لا على جهة الأمانة، فإن لم يقبضه فلا ضمان ولو مكنه البائع من قبضه، وقيدنا القبض بالمستمر للاحتراز عما إذا اشترى سلعة شراء فاسدًا فقبضها، ثم ردّها إلى البائع على وجه الأمانة، أو غيرها فهلكت، فإن ضمانها من بائعها، لأن هذا القبض بمنزلة العدم" (٤) .


(١) تحفة الفقهاء: ٢/٨٣-٨٨.
(٢) بداية المجتهد: ٢/١٩٣.
(٣) الفواكه الدواني، ط. مصطفى الحلبي: ٢/١٢٩ - ١٣٠.
(٤) بداية المجتهد: ٢/١٩٣، الفواكه الدواني، ط. مصطفى الحلبي: ٢/١٢٩ - ١٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>