إن الشباب والفراغ والجده ... مفسدة للمرء أي مفسده وقد كان صلى الله عليه وسلم يشتغل بالتجارة قبل بعثته، ويعيش عن ربحها، وكذلك الصحابة وعظام المسلمين بعده، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إني لأرى للرجل فيعجبني. فأقول: أَّله حرفة؟ فإن قالوا: لا، سقط من عيني. وقال بعض الصالحين: ليست العبادة عندنا أن تصف قدميك، وغيرك يقوت لك، ولكن ابدأ برغيفيك فأحرزهما ثم تعبد، ومدح رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة الصلاة والصوم. فقال: من كان يمونه ويقوم به؟ قالوا كلنا. قال: كلكم أعبد منه.
(ما يريده النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب) أولاً: الحث على العمل والأكل من ثمرته. ثانياً: الأسوة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام في اختيار العمل وإيجاد حرفة. ثالثاً: عدم البطالة، وذم الرجل الخالي من العمل. رابعاً: الثواب الكثير لمن سعى في الأرض يبتغي الإنفاق على أهله وأقاربه. خامساً: ذم الشحاذة والتنفير من السؤال. سادساً: فتح أبواب التجارة أو الصناعة، والضرب في الزراعة (واشتر بالآخر قدوماً). سابعاً: اغبرار وجوه السائلين الأدنياء، وذهاب الحياء والأدب منهم. ثامناً: السعي في طلب الرزق كالجهاد في سبيل الله تعالى. تاسعاً: الشراهة في الدنيا والكد فيها بلا قناعة مع البخل، والشح يبعد عن الله تعالى ويقرب إلى الشيطان الخناس. عاشراً: يرضي الله عن صاحب العمل المختار مهنة. الحادي عشر: التعب في العمل يكفر الذنوب، ويمحو الخطايا، ويجلب غفران الله تعالى وإحسانه (من أمسى كالا) في اكتسابه لنفسه وعياله من حلال.
(الآيات الواردة في طلب السعي للرزق) أولاً: قال الله تعالى (وأحل الله البيع وحرم الربا) والنبي صلى الله عليه وسلم بعث والناس يتعاملون بالبيع فأقرهم عليه، والإجماع منعقد على شرعيته، والبيع مبادلة المال بالمال على سبيل التراضي. وركنه الإيجاب والقبول. وشرطة أهلية المتعاقدين. ومحله المال. وحكمه ثبوت الملك للمشتري في المبيع. وللبائع في الثمن إذا كان تاما، وعند الإجازة إذا كان موقوفا، وحكمته: أ - اتساع أمور المعاش والبقاء. ب - إطفاء نار المنازعات، والنهب، والسرق، والخيانات، والحيل المكروهة. جـ - بقاء نظام المعاش، وبقاء العالم لأن المحتاج يميل إلى ما بيد غيره فبغير المعاملة يفضي إلى التقاتل والتنازع وفناء العالم واختلال نظام المعاش، وغير ذلك أهـ. عيني ص ١٥٩ جـ ١١. =