ثالثاً: وقال تعالى (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ١٠ وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوا قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين) ١١ من سورة الجمعة. في العيني (قضيت) أديت، أو فرغ منها (فانتشروا) للتجارة، والتصرف في حوائجكم (من فضل الله) أي الرزق، ثم أطلق لهم ما حظر عليهم بعد قضاء الصلاة من الانتشار، وابتغاء الربح مع التوصية بإكثار الذكر، وأن لا يلهيهم شيء من التجارة ولا غيرها عنه. والأمر فيهما للإباحة والتخيير أهـ ص ١٦٠ جـ ١١. من جابر بن عبد الله قال: (أقبلت عير ونحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة فانفض الناس إليها فما بقي غير اثني عشر رجلا، وأنا فيهم فنزلت). اللهو. الطبل والتصفيق (قائما) أي على المنبر. سبحان موجد الأرزاق فإياه فاسألوا، ومنه فاطلبوا، وعليه فتوكلوا. رابعاً: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) ٢٩ من سورة النساء. (بالباطل) أي بغير حق، وقام الإجماع على أن التصرف في المال بالحرام باطل حرام سواء: أكان أكلا، أو بيعا، أو هبة، أو غير ذلك، والباطل اسم جامع لكل مالا يحل في الشرع كالربا، والغصب، والسرقة، والخيانة، وكل محرم ورد الشرع به (من تراض منكم) أي يرضى كل واحد منكم بما في يده، وقال أكثر المفسرين: هو أن يخبر كل واحد من البائعين صاحبه بعد العقد عن تراض، والخيار بعد الصفقة، ولا يحل لمسلم أن يغش مسلماً. وقد ذكر البخاري هذه الآيات في إباحة التجارة إلا قوله: وإذا رأوا تجارة. فإنه عتب عليها ولو خلت من العارض الراجح (تركوك قائما) لم يدخل في العتب. قال العيني: وقد أباح الله التجارة في كتابه، وأمر الابتغاء من فضله، وكان أفاضل الصحابة رضي الله عنهم يتجرون ويحترفون في طلب المعاش، وقد نهى العلماء والحكماء عن أن يكون الرجل لا حرفة له ولا صناعة خشية أن يحتاج إلى الناس فيذل لهم. وقد روي عن لقمان عليه السلام أنه قال لابنه: يا بني خذ من الدنيا بلاغك، وأنفق من كسبك لآخرتك، ولا ترفض الدنيا كل الرفض فتكون عيالا، وعلى أعناق الرجال كلالا. أهـ ص ١٦١ جـ ١١. ثم نهى سبحانه وتعالى عن قتل النفس، وبخعها كما تفعله جهلة الهند، أو بإلقاء النفس إلى التهلكة أو باقتراف ما يذلها، ويرديها، ويوقعها في مخالف الفقر المدقع. قال البيضاوي فانه القتل الحقيقي للنفس، وقيل المراد بالأنفس ما كان من أهل دينهم، فإن المؤمنين كنفس واحدة، جمع في التوصية بين حفظ النفس والمال الذي هو شقيقها من حيث إنه سبب قوامها استبقاء لهم ريثما تستكمل النفوس وتستوفي فضائلها رأفة بهم ورحمة كما أشار إليه بقوله تعالى (إن الله كان بكم رحيما ٢٩ ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه ناراً، وكان ذلك على الله يسيراً) ٣٠ من سورة النساء (ذلك) إشارة إلى القتل أو ما سبق من المحرمات (عدوانا) إفراطا في التجاوز عن الحق وتعديا على الغير، وظلم النفس تعريضها لعقاب الله جل وعلا (يسيراً) سهلا لا عسر فيه ولا صارف عنه. خامساً: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ٣٦ رجالا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة) ٣٧ من سورة النور، وفي حديث البخاري. وقال قتادة: كان القوم يتابعون ويتجرون ولكنهم إذا نابهم حق من حقوق الله لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله حتى يؤدوه =