للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأتزوج النساء، فمن رغب (١) عن سُنتي، فليس (٢)

مني" رواه البخاري، واللفظ له ومسلم وغيرهما.

١٥ - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تُنْكَحُ المرأة (٣) على إحد خِصَالٍ لجمالها، وَمَالِهَا، وَخُلُقِهَا، وَدِينِهَا، فعليك بذات الدين (٤)، والخلق تربت يمينك" رواه أحمد بإسناد صحيح والبزار وأبو يعلى، وابن حبان في صحيحه.


(١) أعرض عنها.
(٢) أي ليس متصلاً بي قريباً مني، وفيه أن النكاح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وزعم المهلب أنه من سنن الإسلام، وأنه لا رهبانية فيه، وأنه من تركه راغباً عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو مذموم مبتدع، ومن تركه من أجل أنه أرفق له، وأعون على العبادة فلا ملامة عليه، وعند أكثر العلماء أنه مندوب. أ. هـ (عيني)، وقال الشافعي: النكاح معاملة، فلا فضل لها على العبادة. أ. هـ، وقال أبو حنيفة: يجوز النكاح مع الإعسار، ولا ينتظر به حالة الثروة. أ. هـ، قال الله تعالى: "إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله"، وفي العيني: النكاح لم يفضل على التخلي للعبادة بصورته، وإنما تميز عنه بمعناه في تحصين النفس، وبقاء الولد الصالح وتحقيق المنة في النسب، والصهر، فقضاء الشهوة في النكاح ليس مقصوداً في ذاته، وإنما أكد النكاح بالأمر قولاً وأكده بخلق الشهوة خلقة حتى يكون ذلك أدعى للوفاء بمصالحه، والتيسير بمقاصده. أ .. هـ، وقال ابن حجر في الفتح: والمراد من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني، ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية، فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى، وقد عابهم بأنهم ما وفوه بما التزموه، وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم الحنيفية السمحة فيفطر ليتقوى على الصوم، وينام ليتقوى على القيام، ويتزوج لكسر الشهوة، وإعفاف النفس، وتكثير النسل، وقوله: فليس مني إن كانت الرغبة بضرب من التأويل يعذر صاحبه فيه، فمعنى فليس مني: أي على طريقتي، ولا يلزم أن يخرج عن الملة، وإن كان إعراضاً وتنطعاً يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله، فمعنى فليس مني: ليس على ملتي لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر، وفي الحديث دلالة على فضل النكاح والترغيب فيه، وفيه تتبع أحوال الأكابر للتأسي بأفعالهم، وأنه إذا تعذرت معرفته من الرجال جاز استكشافه من النساء، وأن من عزم على عمل بر واحتاج إلى إظهاره حيث يأمن الرياء لم يكن ذلك ممنوعاً، وفيه تقديم الحمد والثناء على الله عند إلقاء مسائل العلم، وبيان الأحكام للمكلفين، وإزالة الشبهة عن المجتهدين، وأن المباحات قد تنقلب بالقصد إلى الكراهة والاستحباب، وقال الطبري: فيه الرد على من منع استعمال الحلال من الأطعمة والملابس، وآثر غليظ الثياب وخشن المأكل. أ. هـ، قال تعالى: "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق" والحق أن ملازمة استعمال الطيبات تفضي إلى الترفه والبطر، ولا يأمن من الوقوع في الشبهات كما أن الأخذ بالتشديد في العبادة يفضي إلى الملل القاطع لأصلها، وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلاً، وترك التنفل يفضي إلى إيثار البطالة، وعدم النشاط إلى العبادة، وخير الأمور الوسط (إني لأخشاكم لله) إشارة إلى أن العلم بالله، ومعرفة ما يجب من حقه أعظم قدراً من مجرد العبادة البدنية، والله أعلم. أ. هـ. (ص ٨٤ جـ ٩).
(٣) تتزوج.
(٤) المتصفة بالاستقامة ومكارم الأخلاق.

<<  <  ج: ص:  >  >>