اصبر على كيد الحسود ... فإن صبرك قاتله كالنار تأكل نفسها ... إن لم تجد ما تأكله وقال آخر: يا حاسداً لي على نعمتي ... أتدري على من أسأت الأدب أسأت على الله في حكمه ... لأنك لم ترض لي ما وهب فأخزاك ربي بأن زادني ... وسد عليك وجوه الطلب أدلة تحريم الحسد من إحياء علوم الدين: وأورد الغزالي في تفسير الحسد بكراهة النعمة وحب زوالها عن المنعم عليه وبتفسير الغبطة: أن لا تحب زوالها، ولا تكره وجودها ودوامها، ولكن تشتهي لنفسك مثلها، وقد تختص باسم المنافسة، وقد قال صلى الله عليه وسلم "إن المؤمن يغبط والمنافق يحسد" فأما الأول فهو حلال، وأما الثاني فهو حرام بكل حال إلا نعمة أصابها فاجر أو كافر، وهو يستعين بها على تهييج الفتنة وإفساد ذات البين وإيذاء الخلق فلا يضرك كراهتك لها ومحبتك لزوالها فإنك لا تحب زوالها من حيث هي نعمة، بل من حيث هي آلة الفساد، ولو أمنت فساده لم يغمك بنعمته، ثم أورد قوله تعالى: "إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها" (من سورة آل عمران). وهذا الفرح شماتة، والحسد والشماتة يتلازمان. ثم قال: إن هذه الكراهة تسخط لقضاء الله تعالى في تفضيل عباده على بعض، وذلك لا عذر فيه ولا رخصة، وأي معصية تزيد على كراهتك لراحة مسلم من غير أن يكون لك منه مفرة، ثم أورد الغزالي قول الله تبارك وتعالى: "ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء" (من سورة النساء). وذكر الله تعالى حسد أخوة يوسف عليه السلام وعبر عما في قلوبهم "إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم" (من سورة يوسف). فلما كرهوا حب أبيهم له وساءهم ذلك وأحبوا زواله عنه فغيبوه عنه "ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا" (من سورة الحشر). أي لا تضيق صدورهم به ولا يغتمون، فأثنى عليهم بعدم الحسد وقال تعالى: "كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين" إلى قوله تعالى: "إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم" (من سورة البقرة). قيل في التفسير حسداً، وقال تعالى: "وما تفرقوا إلا من بعد ماجاءهم العلم بغياً بينهم" (من سورة الشورى). فأنزل الله العلم ليجمعهم ويؤلف بينهم على طاعته وأمرهم أن يتآلفوا بالعلم فتحاسدوا، واختلفوا إذا أراد كل واحد منهم أن ينفرد بالرياسة وقبول القول فرد بعضهم على بعض، قال ابن عباس: كانت اليهود قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم إذا قاتلوا قوماً قالوا نسألك بالنبي الذي وعدتنا أن ترسله وبالكتاب الذي تنزله إلا ما نصرتنا فكانوا ينصرون، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم من ولد إسماعيل عليه السلام عرفوه وكفروا به بعد معرفتهم =