للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا مِنْ يَوْمٍ طَلَعَتْ شَمْسُهُ إِلاَّ وَكَانَ بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ نِدَاءً يَسْمَعُهُ مَا خَلَقَ كُلُّهُمْ غَيْرَ الثَّقَليْنِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلى رَبِّكُمْ. إِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى، وَلا آبَتِ الشَّمْسُ إِلاَّ وَكَانَ بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ نِدَاءً يَسْمَعُهُ خَلْقُ اللهِ كُلُّهُمْ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَأَعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ في ذلِكَ قُرْآناً في قَوْلِ المَلَكَيْنِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلى رَبِّكُمْ في سُورَةِ يُونُسَ: [واللهُ يَدْعُو إِلى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١) وَأَنْزَلَ اللهُ في قَوْلِهِمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقاً خَلَفَا، وَأَعْطِ مُمْسِكَاً تَلَفاً:


= صباح مساء أن يخلف على الجواد ويعطي المحسن ويزيد في رزق المتصدق الكريم، ويبارك في نعمه وفي أولاده، ويعاقب البخيل بإقلال رزقه، وينزع البركة مما أعطى ويصيبه التلف والدمار والبوار، كما قال تعالى في حكاية رجلين من بني إسرائيل ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فتشاطروا فاشترى الكافر بها ضياعاً وعقاراً وصرفها المؤمن في وجوه البر، أو في أخوين من بني مخزوم: كافر، وهو الأسود بن عبد الأشد، ومؤمن وهو أبو سلمة عبد الله زوج أم سلمة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم [واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا (٢٢) إلى قوله تعالى وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحداً (٤٢)] من سورة الكهف.
فالأول بخيل مقصر في حقوق الله وفي وجوه الإحسان فسلط الله عليه الآفات فأهلكت ثمراته. المثل الثاني بستان نضير وحديقة فيحاء غناء لرجل صالح بصنعاء على بعد فرسخين منها يكرم الفقراء لله تعالى فورثه بنوه فضنوا على المساكين وقالوا لو فعلنا كأبينا ضاق علينا الأمر وحلفوا بالله ليقطعن الثمرة مبكرين ولم يسندوا الأمر للرزاق الواحد القهار، كما قال تعالى في سورة القلم [إذا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين (١٧) ولا يستثنون (١٨) فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون (١٩) فأصبحت كالصريم (٢٠)] من سورة القلم.
أي كالبستان الذي قطع ثماره بحيث لم يبق فيه شيء هذان مثلان في القرآن الكريم يضربهما الله للأغنياء أصحاب الثروة الواسعة رجاء أن يجودوا بمالهم وينفقوا في وجوه البر وتشييد الصالحات وإلا تسلب منهم هذه النعم وتفنى الأموال وتزول الثروة:
حليف الندى يدعو الندى فيجيبه ... قريباً ويدعو الندى ويجيب
هو العسل الماذي لينا وشمعة ... وليث إذا يلقى العدو غضوب
حليم إذا ماسورة الجهل أطلقت ... حبى الشيب للنفس اللجوج غلوب
فتى أريحى كان يهتز للندى ... كما اهتز ماضي الشفرتين قضيب
(١) قال النسفي: درا السلام الجنة، أضافها إلى اسمه تعظيماً لها، أو السلام السلامة لأن أهلها سالمون من كل مكروه، وقيل لفشو السلام بينهم وتسليم الملائكة عليهم إلا قيلاً سلاماً سلاما (ويهدي) يرفق إلى السلام أو طريق السنة فالدعوة عامة على لسان رسول الله بالدلالة والهداية خاصة من لطف المرسل بالتوفيق والعناية، والمعنى يدعو العباد كلهم إلى دار السلام ولا يدخلها إلا المهديون (للذين أحسنوا الحسنى) للذين آمنوا بالله ورسوله المثوبة الحسنى وهي الجنة (وزيادة) رؤية الرب عز وجل، وقيل الزيادة المحبة في قلوب العباد، وقيل الزيادة مغفرة من الله ورضوان (ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة) ولا يغشى وجوههم غبرة فيها سواد ولا أثر هوان، والمعنى ولا يرهقهم ما يرهق أهل النار أهـ ..

<<  <  ج: ص:  >  >>