للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، والنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى، وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ والأُنْثَى (١) إِلى قَوْلِهِ: لِلْعُسْرَى].

٤ - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: تَفَرَّغُوا مِنْ هُمُومِ الدُّنْيَا مَا اسْتَطَعْتُمْ (٢)، فَإِنَّهُ مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّهِ (٣) أَفْشَى اللهُ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ (٤)، وَمَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ (٥)

أَكْبَرَ هَمِّهِ جَمَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ أُمُورَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ في قَلْبِهِ (٦)، وَمَا أَقْبَلَ عَبْدٌ بِقَلْبِهِ إِلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ جَعَلَ اللهُ قُلُوبَ المؤْمِنينَ تَفِدُ إِلَيْهِ (٧) بِالْوُدِّ والرَّحْمَةِ، وَكَانَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ إِلَيْهِ


(١) [إن سعيكم لشتى (٤) فأما من أعطى واتقى (٥) وصدق بالحسنى (٦) فسنيسره لليسرى (٧) وأما من بخل واستغنى (٨) وكذب بالحسنى (٩) فسنيسره للعسرى (١٠)] من سورة الليل.
مساعيكم في الدنيا مختلفة. هذا يعمل لله، وذا للرياء. أعطى الطاعة واتقى المعصية وصدق بالكلمة الحسنى وهي ما دلت على حق الكلمة كتوحيد ووصلت إلى خير فسنهيء له طريق الجنة واليسر والسعادة. بخل بما أمر به وشح في الواجبات واستلذ بالشهوات وناء عن البر بجانبه بالموبقات وابتعد عن الصالحات الموصلة إلى حسن العقبى ونعيمها [العسرى] نوصله إلى ما يتمنى من العسر والضيق والشدة لميله إلى ملذاته.
(٢) بقدر استطاعتكم بكبح جماح النفس عن المعاصي وشره جمع المال بلا حق.
(٣) نهاية ما يرجو من كده وزع الله طلباته الجمة ونشر حاجاته وأكثر جشعه وشرهه.
(٤) مهما أعطى من المال يتخيل له الفقر والدعة والذل.
(٥) يوم القيامة فيعمل لحسابه كما قال تعالى: [من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحورا (١٨) ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا (١٩) كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك، وما كان عطاء ربك محظورا (٢٠) انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا (٢١)] من سورة الإسراء.
[ما نشاء] بإرادة الله لا ما يشاء ذلك الطماع الشره. قال النسفي: أي من كانت العاجلة همه ولم يرد غيرها كالكفرة تفضلنا عليه من منافعها بما نشاء لمن نريد، فقيد المعجل بمشيئته والمعجل له بإرادته، وهكذا الحال. ترى كثيراً من هؤلاء يتمنون ما يتمنون ولا يعطون إلا بعضاً منه، وكثيراً منهم يتمنون ذلك البعض وقد حرموه فاجتمع عليهم فقر الدنيا وفقر الآخرة، وأما المؤمن التقي فقد اختار غنى الآخرة فإن أوتي حظاً من الدنيا فبها، وإلا فربما كان الفقر خيراً له [يصلاها] يدخلها [مذموماً] ممقوتاً [مدحورا] مطروداً من رحمة الله [مؤمن] مصدق لله في وعده ووعيده [مشكورا] مقبولاً عند الله تعالى مثاباً عليه. عن بعض السلف: من لم يكن معه ثلاث لم ينفعه عمله: إيمان ثابت، ونية صادقة، وعمل مصيب وتلا الآية فإنه شرط فيها ثلاث شرائط في كون السعي مشكوراً إرادة الآخرة والسعي فيما كلف، والإيمان الثابت أهـ.
(٦) رزقه القناعة والرضى والسرور بكل ما ينال والاستبشار وانتظار الفرج ويزول عنه اليأس.
(٧) تقبل عليه وتزوره وتحبه وتجله وتساعده على مهام أموره فتروج تجارته ويذاع صيته وينتشر ذكره الطيب ويتبرك به وتهابه الحكام وتخشى سطوته الأشرار، وقد شاهدت رجلاً صالحاً عالماً احترمه الناس لعمله الصالح وبجلوه فاهتدوا بأنواره ووثقوا بأقواله وكان حجة ثبتاً نبراساً منيراً في دياجي الشبهات وحاول الأشرار =

<<  <  ج: ص:  >  >>