إن الإنسان خلق ليعمل في هذه الحياة ويجد في جني ثمار الصالحات بما كسبت يداه فلا يمنع الزهد أن يتقن الموظف عمله أو يحترف الصانع أو يبيع التاجر ليربح، وهكذا، فالله تعالى يقول [فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه] وهذا الشاعر نفسه تطمح إلى المعالي بكده وعرق جبينه، يقول المتنبي: ليس التعلل بالآمال من أربي ... ولا القناعة بالإقلال من شيمي ولا أظن بنات الدهر تتركني ... حتى تسد عليها طرقها هممي لم الليالي التي أخنت على جدتي ... برقة الحال واعذرني ولا تلم أرى أناساً ومحصولي على غنم ... وذكر جود ومحصولي على الكلم بنات الدهر: أي حوادثه. محصولي: أي حصولي على مواعيد. فيريد أن المجد يرقى إلى العلياء بكده ويكسب المال بعرق جبينه ولا يرضى الصغائر: لا تركن إلى الهوى ... واحذر مفارقة الهواء يوماً تسير إلى الثرى ... ويفوز غيرك بالثراء ينهى الشاعر عن اتباع الشهوات. ثم يحبب الإنسان إلى التمتع بخيرات الدنيا في وجوه الحلال ويرغبه بتشييد الصالحات ذخراً له بعد مماته [والباقيات الصالحات خير]. قد عضني ناب النوائب ... ورأيت آمالي كواذب والمرء يعشق لذة الد ... نيا فتفقره المصائب وإذا تفرق درها ... زينته حين يلذ شارب لا تجد بالعطاء في غير حق ... ليس في منع غير ذي الود بخل إنما الجود أن تجود على من ... هو للجود والندى منك أهل إن الذي يرغب في الزهد صلى الله عليه وسلم كان راعي غنم في إبان صغره. ثم تاجر فربح مالاً وفيراً ثم عكف على طاعة ربه حتى اصطفاه الله لرسالته فكان ملكاً عادلاً ورسولاً أدى الرسالة بأمانة وشجاعة، وكان رئيس القواد فأكثر الفتوح ودانت له المعمورة ومع وفرة النعم يقول صلى الله عليه وسلم في حديثه "أجوع يوماً وأشبع يوماً" ثم قفى أثره أصحابه الأبرار وابتع منهجه المسلمون الأخيار حتى إن السيدة عائشة رضي الله عنها جاءها يوماً آلاف الدنانير فوزعتها ولم تجد ما تفطر عليه. هذا هو معنى الزهد أيها السادة. وليس الزهد الميل إلى الكسل والبطالة والخلو من العمل، وللشيخ عمر الأنسي: إذا أنت لم تعمل بما أنت قائل ... فأنت أسير الجهل أو أنت تكذب ولا تصحبن زاداً سوى البر والتقى ... وإلا فشر الزاد ما أنت تصحب ولأحمد الكيواني: يا مكثراً من ذم كل ذميم ... ابدأ بنفسك قبل كل ملوم هل تنجح الآداب عند معاشر ... مع زهدهم في العلم والتعليم