للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قوله: كأنها بيت حمام] هو بتشديد الميم: ومعناه أن فيها من الحر والكرب كما في بيت الحمام.

مثل النبي صلى الله عليه وسلم ومثل الدنيا

١١٩ - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ، وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ في جَنْبِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَوِ اتَّخَذْتَ فِرَاشاً أَوْثَرَ مِنْ هَذَا؟ فَقَالَ: مَالِي وَلِلدُّنْيَا، مَا مِثلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ سَارَ في يَوْمٍ صَائِفٍ، فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا. رواه أحمد وابن حبان في صحيحه والبيهقي.

١٢٠ - وَعنه رضي الله عنه قال: حدثني عمر بن الخطاب، قال: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وَهُوَ عَلى حَصِيرٍ قالَ: فَجَلَسْتُ، فَإِذَا عَلَيْهِ إِزَارُهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ في جَنْبِهِ، وَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِير نَحْوَ الصَّاعِ، وَقَرَظٍ (١)

في نَاحِيَةٍ في الْغُرْفَةِ، وَإِذَا إِهَابٌ مُعَلَّقٌ، فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ، فقَالَ: مَا يُبْكِيكَ


(١) ورق السلم ليدبغ به الإهاب وقيل شجر البلوط، وفي النهاية أهب جمع إهاب، وهو الجلد، وقيل إنما يقال للجلد إهاب قبل الدبغ فأما بعده فلا والعطلة المنتنة التي هي في دباغها، ومنه الحديث لو جعل القرآن في إهاب ثم ألقي في النار ما احترق. قيل كان هذا معجزة للقرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما تكون الآيات في عصور الأنبياء، وقبل المعنى من علمه الله القرآن لم تحرقه نار الآخرة فجعل جسم حافظ القرآن كالإهاب له، ومنه الحديث "أيما إهاب دبغ فقد طهر" أهـ. ما هذه الحقارة المتناهية للدنيا عند سيدنا رسول الله الذي طبق ذكره الآفاق وشرح الله صدره ورفع له ذكره مع ذكره جل وعلا في الأذان والصلاة والإقامة وأمرنا بالصلاة عليه والإيمان به، يحدث عمر ابن عباس: ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم سوى:
أ - رداء.
ب - حصير.
جـ - قبضة شعير.
د - جلد.
فأخذته الرأفة والشفقة على حبيبه واغرورقت عيناه، فنظر إليه سيدنا رسول الله وسأل عن سبب بكائه، وأنه علم خزائن كسرى وقيصر. أعلمت الجواب الشافي والبلسم الوافي لنا الآخرة، هذه القدوة الحسنة للمسلمين رجاء أن يجدوا في العمل الصالح ويزهدوا في الدنيا ويؤدوا حقوق الله تعالى ولا يطمعوا في كثرتها ولا يغتروا بزخارفها كما قال جل شأنه [وللدار الآخرة خير] قال الغزالي: فالدنيا غدارة خداعة، قد تزخرفت لكم بغرورها وفتنتكم بأمانيها، وتزينت لخطابها فأصبحت كالعروس المجلية، العيون إليها ناظرة، والقلوب عليها عاكفة، والنفوس لها عاشقة، فكم من عاشق لها قتلت، ومطمئن إليها خذلت، فانظروا إليها بعين الحقيقة فإنها دار كثير بوائقها، وذمها خالقها، جديدها يبلى وملكها يفنى، وعزيزها يذل، وكثيرها يقل، ودها يموت وخيرها يفوت أهـ ص ١٨٣ جـ ٣ إحياء، وكان الحسن بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يتمثل كثيراً ويقول:
يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها ... إن اغترارً بظل زائل حمق
ولما ذكرت الدنيا عند الحسن البصري رحمه الله أنشد وقال:
أحلام نوم أو كظل زائل ... إن اللبيب بمثلها لا يخدع
وقال ابن مسعود: ما أصبح أحد من الناس إلا وهو ضيف وماله عارية، فالضيف مرتحل والعارية مردودة، وفي ذلك قيل: =

<<  <  ج: ص:  >  >>